تحريك السوق..
تقول القصة المتداولة: في قرية فقيرة وصغيرة تعيش كلها على الاقتراض لتسيير شؤونها، وتدبير معاشها واستثمارها، حضر سائح إلى الفندق الوحيد في القرية، دفع 100 دولار على «الكاونتر» ثمن المبيت في الفندق مشترطاً التجوّل في الغرف الفوقية، والتأكد من راحتها ونظافتها ومستوى الخدمة.. ولأن الديون تُغرق صاحب الفندق، فقد أخذ الـ100 دولار، وذهب بها إلى الجزار ليسدّ ديونه المتراكمة، التي تقدّر بالقيمة نفسها، ثم عاد إلى فندقه.. في هذه الأثناء يفرح الجزار بهذه الدولارات، ويذهب بها إلى تاجر الماشية ليدفع ما تبقى عليه من مستحقات متأخرة.. لم يتوقّع تاجر الماشية أن يأتيه هذا المبلغ في هذا التوقيت فسّر بها أيما سرور، فأخذ تاجر الماشية الـ100 دولار وانطلق مسرعاً بها إلى مورّد الأعلاف ليسدد ديونه المجدولة منذ شهور.. أخرج الورقة النقدية ومررّها على أنف مورّد الأعلاف شمّها على طريقة المدمنين وابتسم تلقائياً؛ ولأن الأخير ليس بأحسن حالاً من سابقيه، فلم تمكث الـ100 دولار في جيبه سوى دقائق معدودة ليتذكّر أن سائق الشاحنة الغريب الذي ينقل له الأعلاف من تجّار العاصمة لتجار الأغنام الصغار في القرية يطالبه بـ100 دولار منذ زمن، ولأن الركود سمة السوق فلم يستطع السداد وقتها، وها هي قد حضرت فجأة فسدد ديونه وبيّض صفحته.. سائق الشاحنة الغريب الذي يأتي من منطقة نائية ويوزّع الأحمال، كان يتأخر في بعض الأيام أثناء التوزيع ويضطر للمبيت في القرية بسبب سوء الظروف الجوية والثلوج التي تغلق الطرق وتمنعه من الوصول إلى بلدته البعيدة، فتذكّر أن صاحب الفندق يطالبه بـ100 دولار من الشتاء الماضي، وها هي قد حضرت مصادفة، ولابدّ من السداد ليضمن استدانة المبيت في المرات المقبلة.. استقلّ سائق الشاحنة مركبته وتوجه إلى الفندق أخرج الـ100 دولار ووضعها على «الكاونتر» بطريقة استعراضية كناية عن قوة السداد ثم قال لصاحب الفندق (خالصين)؟ قال الأخير: خالصين! انسحب وغادر بشاحنته أجواء القرية، في هذه الأثناء كانت صوت أقدام السائح تنقر على الدرج وتوحي بنزوله بهدوء، صاحب الفندق ينظر إليه محاولاً أن يستوحي قرار السائح من ملامحه.. هزّ السائح الثري رأسه وقال: عذراً لم يعجبني الفندق.. ابتسم صاحب «الأوتيل»، وقال: حسناً تفضّل الـ100 دولار.. أخذها الأخير وانسحب، ففي فترة تجوّله بغرف الفندق كان قد سدّ ديون القرية كلها.. مالك «الأوتيل» سدّ الجزار، الجزار سدّ تاجر الماشية، تاجر الماشية سدّ ديون مورّد العلف، مورّد العلف دفع مستحقات سائق الشاحنة، سائق الشاحنة سدّ ديون صاحب الفندق، والسائح استرد نقوده.. ولم أحد يخسر شيئاً.
هذه الطريقة الأميركية في تحريك السوق العالمية.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .