أبواب
حب من طرف واحد
تحت فصول الحب المستحيل، طويت قبل أيام قصة حب مؤثرة في اليابان لم يكن بطلها مواطناً بسيطاً مع أميرة، كما جرت العادة في قصص الحب المستحيل، ولا عاملاً بأحد مناجم الفحم مع حفيدة أباطرة الشركات الكبرى، كما يصلنا ضمن الأخبار المنوّعة، فالحب البشري هذه الأيام صار أكثر عقلانية وبراغماتية ولا يخرق نواميس الطبقات الاجتماعية، كما كان في السابق، أو في قصص الحب التي كنا نقرأها بسرية تامة.
تقول الحكاية إن بطريقاً عجوزاً في إحدى حدائق اليابان تعلّق بمجسم فتاة ترتدي ثياب بطريق وُضع كإعلان على مدخل الحديقة، تعلّق الطائر بالصورة المرسومة وصار يعتبرها معشوقته الوحيدة. لكن البطريق، الذي يشبه مراهقَتَنا عندما كنا نتعلق بنجمات السينما ونضع صورهن فوق الأسرّة أو على خزائن الملابس، كان أكثر جدية منا، هو لم يكن إعجاباً وحسب، أو تمنياً بالقرب وحسب، أو نسج خيال قصة لا أرض لها، فهو أراد أن يعيش الحب بكامل تفاصيله الحقيقية، حيث يقول عمّال الحديقة إن البطريق كان يقف طوال النهار أمام الصورة يتأملها ويرفرف بجناحيه شوقاً لها، وعندما تهزّها الريح، يدور حول نفسه ويصيح معتقداً أنها قد بادلته الإعجاب نفسه.
البطريق العاشق لم يعرف أنها مجرد مجسّم من «البولسترين» لا يتفاعل ولا يحب ولا يكره، أو ربما كان يعرف أن محبوبته من «البولسترين» الخالص، لذا فهي لن تهجر ولن تخون ولن تتأخر عن مواعيدها ولن تغادر من دون سبب، ستبقى واقفة في مدخل الحديقة، وهو سيبقى يتوهّم، أو يقنع نفسه، أنها تقف في مدخل الحديقة بانتظاره تحديداً.
وكما يموت كل أبطال قصص الحب الخالدة، ورغم اشتداد المرض على البطريق المسن، إلا أنه آثر أن يبقى قرب الحبيبة المجسّم، إلى أن وجده عمال الحديقة ميتاً قرب الصورة.
**
شخصياً تأثرتُ بهذه القصة الغريبة كثيراً، ربما لأنه لم يعد في عالمنا المنفتح الآن شيء يُدعى حباً من طرف واحد، سوى عند هذه الكائنات، وربما لأن الوفاء صار شيئاً نادراً، والحب صار مثل «الواي فاي»، أينما وُجدت «شبكة» يشبك عليها، عندما تنقطع يبحث عن غيرها، ليبقى متصلاً مع نفسه!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .