«GPS القطط»
زمن الحواري القديمة لم تكن القطط صعبة الاقتناء، على العكس تماماً، فقد كنا نعاني ألفتها الزائدة وتكاثرها المبالغ فيه.. أقل بيت في حيّنا كان لديه من القطط ضعف عدد أفراد العائلة، وأحياناً لا تعرف كيف أنجبت القطة الأم كل هذه المخلوقات في وقت قياسي، خصوصاً إذا كانت القطة حلوة ورشيقة فأبشر بقبيلة من القطط تموء تحت نافذتك كل مساء طلباً لود هذه المخلوقة.. يوم الجمعة تحسّ أن بيتنا تحوّل إلى مؤتمر للقطط، لا نكتفي بالسكان المحليين، لا بل يأتي بعض الغرباء للمشاركة معتقدين أن الدعوة عامة، خصوصاً عندما تحمّر أمي رحمها الله دجاجتين بالفرن الطيني، أو تفوح رائحة لحم الأضاحي على جمر النار.
هذا التكاثر والانفجار السكاني «القططي» كان يرغمنا أحياناً على حمل هذه القطط في أكياس من «الخيش» ذات المسامات الواسعة، ونمشي بها مسافات طويلة نلف بها بين البيوت، وننزل في الوديان ثم نخترق حارات جديدة، وبعد أن نبعد بها مسير ساعة ونصف الساعة، نفتح باب الكيس فتنطلق القطط الصغيرة مسرعة إلى عالمها الجديد.. فنطوي الكيس ونعود به إلى بيوتنا.. وما أن نستريح ونلتقط أنفاسنا حتى نسمع المواء اللحوح نفسه من القطة نفسها.. فنحاول اصطيادها وحملها ثانية لكن إلى وجهة مختلفة هذه المرة.
لا أدري كيف كانت تقرأ القطط «خارطة الطريق» من غير «جي بي إس» وقبل اختراع الإنترنت والأقمار الاصطناعية؟ وكيف كانت تتمكن من العودة إلى بيتنا أسرع مني، مهما حاولت قطع مسافات ودخلت في دهاليز الأحياء البعيدة؟ طبعاً عودة القط الضال كانت بمثابة نقطة سوداء في سجلاتنا.. مجرد أن يسمع الأهل مواء المغدور حتى يلقوا باللوم عليك متنبئين بعدم فلاحك بالحياة في قادم الأيام! المضحك أن عملية تبادل القطط تشبه عملية تبادل السفراء، ففي الوقت الذي تحمل فيه قططك بالكيس السميك، محاولاً إرسالها إلى حي في أقصى المدينة، تصادف فتياناً يحملون أكياساً سميكة فيها قطط ينوون تفليتها قرب بيتنا أو في حيّنا.. ولا أدري كيف لم تخطر ببالي فكرة نهيهم أو طردهم أو على الأقل مبادلتهم بقططنا؟!
لكن تبقى أطرف قصة، تلك التي حدثت مع أحد صبيان حيّنا، عندما قطع مسافات شاسعة بأحد القطط، ومر بين بيوت بعيدة وغريبة، وزار أزقة لم يزرها من قبل، حيث تأكّد أنه مكان بعيد بما فيه الكفاية، وعندما أطلق القط تاه الصبي عن طريق العودة لبيته، في نهاية المطاف استخدم الهاتف الأرضي متصلاً بأمه: «يُمّه أنا ضعت ومش عارف وين أنا.. ودّي لي القط يجي يأخذني».
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .