«آي سي بور»
ظلت الجملة التالية «احنا عملنا اللي علينا.. والباقي على ربنا» متلازمة في كل المسلسلات المصرية القديمة، الطبيب يدير ظهره ويخرج من كادر الكاميرا، بينما ابن المريض الواقف أمام غرفة العمليات يضع رأسه على الباب، ويغمض عينيه مع خلفية لموسيقى حزينة..
سرعان ما تأقلمت مع الوضع، عندما لاحظت أن الشمس أشرقت بموعدها، وأن الناس ذهبوا إلى دوامهم كالمعتاد، وطلاب المدارس الخاصة ينتظرون حافلاتهم على الموعد. |
الأسبوع الماضي تعرّض هاتفي النقال لسخونة مفاجئة، و«تعليق عند فتح التطبيقات»، ثم انقطاع كامل للطاقة عنه.. الإجراء المعتاد إعادة تشغيل.. لا شيء.. فك البطارية وإعادة تركيبها.. لا جديد.. حملنا الهاتف إلى أقرب مركز صيانة مناوب، وبعد إضاءة مصباح «التيبل لامب» فوق رأس فني الصيانة وفكّ البراغي الصغيرة، وبروز النحاسات الناتئة وتعرجات الدوائر الكهربائية، قال لي: «ع الأغلب آي سي بور».. لم أفهم ما معنى هذه الحروف المتقطعة، أنا لا أعرف «آي سي» ولا «سي آي أيه» ما الذي تقصده بالضبط؟ المقصود: أن الوحدة المسؤولة عن البيانات ومعالجتها معطوبة تماماً.. والأرقام؟ هاتفك لم يكن مربوطاً بحساب غوغل لذلك لقد فقدت كل بياناتك.. طيب هل من محاولة؟ «إحنا عملنا اللي علينا والباقي على الله».. لم ترافق هذه الجملة أي موسيقى لأن «الآي سي بور» معطوب أصلاً.. في البداية شعرت باضطراب وضياع شديدين فعلى هاتفي على الأقل 4000 رقم، بين أرقام أصدقاء وأرقام عمل وأرقام أشخاص بيني وبينهم مشروعات مهمة وأسماء أطبائي الذين أراجعهم والمستشارين المعتمدين في المدينة الصناعية من ميكانيكية وكهربائية السيارات والأرقام السرية «لبطاقة الصراف الآلي»، ورقمي في الضمان الاجتماعي، ورقمي الضريبي وآلاف الأسماء التي احتفظ بها منذ 10 سنوات أو أكثر، فقدت فجأة بالإضافة إلى صور الهاتف النادرة، وأرشيف الرحلات وأعياد الميلاد والعائلة.. لكن سرعان ما تأقلمت مع الوضع عندما لاحظت أن الشمس أشرقت بموعدها، وأن الناس ذهبوا إلى دوامهم كالمعتاد وطلاب المدارس الخاصة ينتظرون حافلاتهم على الموعد.. وأن الدولة لم تعلن ذلك اليوم عطلة رسمية بسبب «الآي سي بور».. على العكس شعرت بأن الاتصالات أقل، وأن «سوسة» فتح «الواتس أب» انخفضت كثيراً.. وأن أي تقصير في أي واجب اجتماعي أو متابعة «أنا آسف.. راحت الأرقام من عندي لأنه الآي سي بور ضرب».. حتى صارت حجة لأشياء كثيرة لا ترتبط بالآي سي بور.. منها.. اعتذرت عن مقابلة في الراديو عن الأوضاع السياسية في الإقليم بسبب «الآي سي بور».
لو أننا نستطيع أن نتخلص من «آي سي بور» الذكريات المؤلمة في أدمغتنا.. ونرجع نسجل على بياض.. «يا ريت»!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .