كل يوم
الفطرة السليمة ضد التطرف!
أينما حلت الفطرة السليمة ابتعدت الكراهية والحساسيات، وأينما حل الفكر الملوث والمسيّس جاء بالكراهية والحقد والقتل والعنف، هذه حقيقة لا يمكن إغفالها وإنكارها، لذا فلا يمكن القضاء على الفكر الملوث إلا بتمكين الفكر السليم القريب من القلب والعاطفة، الذي يمكن للإنسانية بمعناها الشامل والرائع.
هذا الاستنتاج هو ما ثبت في الذهن عند سماعي قصة واقعية جميلة حدثت فعلاً لإنسان إماراتي محبّ للخير وفاعل له، هذا الشخص تعرّف إلى شخص من أوغندا، رجل فاضل أيضاً ومحب للخير، لديه دار صغيرة لرعاية الأيتام، تضم نحو 59 طفلاً وطفلة، منهم مسلمون ومنهم مسيحيون، وبالمناسبة فإن هذا الشخص الذي يرعاهم مسيحيّ ليس مسلماً، ومع ذلك لم يفرق بينهم في شيء، يعيشون معاً في دار بناها لهم وفق إمكاناته، ويتعلمون في مدرسة بجانب هذا المسكن، وبالمناسبة أيضاً تكاليف الدار والمدرسة وبعض المساعدات تأتيهم من جمعية خيرية أميركية مسيحية، لم تطلب هي الأخرى أن يكون جميع من في الدار والمدرسة من أبناء المسيحيين فقط، ولا مانع لديها من إدخال الأطفال المسلمين ورعايتهم وتعليمهم!
ليس هذا فقط هو اللافت في الأمر، بل تطورات هذه الصداقة بين الإماراتي والأوغندي هي ما تستحق الالتفاتة، وهي درس عملي وواقعي لمعنى التعايش والتسامح والمحبة والألفة وتقبل الآخر وحرية التفكير والعبادة، لقد طلب ذلك الأوغندي (غير المسلم) من صديقه الإماراتي، أن يبحث عمن يساعده لبناء مسجد بالقرب من المدرسة حتى يتعلم الأطفال المسلمون الصلاة ويحفظوا القرآن، ويتعلموا شعائر وعبادات دينهم، وفي المقابل لم يتردد الإماراتي، وبحماس، في تحمّل هذه الكلفة بنفسه، ووافق فوراً على البدء في مشروع بناء المسجد.
بقي أن نعرف أن المدرسة والدار هما برعاية تلك الجمعية المسيحية الأميركية، لذا لابد من موافقتها على بناء المسجد، فماذا تتوقعون؟ لم توافق فقط على البناء، بل إنها تولت كل إجراءات تحويل المال من الإمارات إلى أوغندا عن طريقها، لتمويل بناء هذا المسجد في المنطقة ذاتها التي ترعاها!
وسارت الأمور بشكل سهل ومتسارع، بفضل تلك الخدمة التي قدمتها الجمعية الأميركية، وذهب ذلك الشخص الإماراتي إلى أوغندا ليزور تلك القرية الفقيرة الصغيرة، ورأى بعينيه تلك الحياة التي يعيشها هؤلاء البسطاء بمختلف دياناتهم جنباً إلى جنب، يحبون بعضهم، ويتعايشون بسلام، من دون أن يتعدى أحدهم على الآخر، أو يقتل بعضهم بعضاً لاختلاف دياناتهم، يعيشون معاً، مسلمون مع مسيحيين، ويترعرع الأطفال معاً.
افتتح الرجل المسجد وسط انبهاره الشديد بما حدث وما يحدث أمام عينيه، فجميع أهالي القرية فرحون بافتتاح المسجد، وجميعهم بمن فيهم المسيحيون شاركوا في الاحتفالات الشعبية التي رافقت الافتتاح، اندهش الرجل من هذا التعايش المبني على الفطرة السليمة، وزار دار الأطفال والمدرسة ليرى كيف يعيش الأطفال معاً ويدرسون معاً، واستمتع وهو يرى الأطفال المسلمين يصلون في المسجد، ويقرأون القرآن ثم يعودون إلى سكنهم ليلعبوا ويناموا بجنب إخوانهم الأطفال المسيحيين!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .