لحظة
«الإسلاموفوبيا والغربوفوبيا»
مَن لا يكره المسلمين اليوم؟ بل حتى البوذيون في الشرق، الذين يُفترض أن يكونوا أهل سلام، قد أمعنوا في قتل مسلمي الروهينغا.. اذهب إلى أي مكان في العالم، وستلمس قلقاً من المسلمين، حتى أولئك الذين يعرفون أن الإسلام دين سلام لا كراهية، تسمع بعضهم يقول: إنه قلق من ردات أفعال المسلمين.
وفي بلاد المسلمين، مَن لا يكره الغرب؟ قد يقول أحدكم إن هذا الكلام قد انتهى، لكنني وددتُ لو اطلعتم على الرسائل التي تأتيني كلما بثثتُ حلقة في التلفاز عن العلوم والتكنولوجيا، أو في «السوشيال ميديا» عن الفلاسفة والمفكرين، حيث تنهال عليّ اتهامات بأنني أميل للغرب، وبذلك أبتعد عن الإسلام، وأنسى الإرث النبوي، ولا أكترث بفلسفة الصحابة! سألت أحدهم عن تلك الفلسفة، فقال إنها أعظم من كل فلسفات التاريخ. المؤسف أن مُرسلي تلك الرسائل شباب مازالوا يدرسون في الجامعة، ولا أدري كيف تسربت إليهم تلك الأفكار التي تدعو إلى الوقوف في معسكر ضد العالم كله! أفكار تسيء للإسلام، وتضعه في خانة الضحية التي تبكي على أطلالها، ولا همَّ لها إلا النواح على حالها، وندب مصائبها، ولذلك تملأ الخيبة والإحباط نفوس كثير من الشباب المسلم، فخرجوا من الدين هرباً من حالة الانهزامية، محاولين الاندماج مع العالم الذي يعتقدون أنه لن يستقبلهم ولن يتقبلهم إلا إذا نزعوا عباءة الدين.
لا ألومهم، وأتحاور معهم بهدوء، ليس لإرجاعهم إلى الإسلام، بل لاستعادة العقلانية التي خسرناها عندما اصطدمنا مع الآخر، فقط لكونه آخر، وقبلنا بفرضية العداء معه، واقتنعنا بأن واجب الوقت هو أن نكرهه ونُصنّفَه، محققين بذلك نبوءة «صِدام الحضارات»، التي يسعى كثير من عقلاء العالم لتجنبها. ومن يعتقد أنه لم يكن طرفاً في تلك المشكلة، فأدعوه لتذكر مقابلات أسامة بن لادن، الذي حوّلته قناة الجزيرة إلى بطل إسلامي تاريخي، فكلما خرج ليتحدث هو أو أحد أتباعه، تعزّزت في العقل الجمعي الإسلامي فكرة الصِدام مع الآخر، حتى إن الإخوة كانوا يتخاصمون في البيت الواحد حول مؤيد لفكر بن لادن ومعارض له. وكان العقلاء يضطرون إلى الحديث مع أبنائهم وبناتهم بعد كل فيديو لابن لادن، ليشرحوا لهم ضلال فكر «القاعدة»، وانحرافه عن فكر الإسلام الحقيقي.
قبل أيام شاركتُ في الدورة الرابعة لمنتدى تعزيز السّلم في المجتمعات المسلمة، الذي يترأسه الشيخ عبدالله بن بيّه، قال فيه إن إعلان المفاصلة النهائية بين المسلمين والعالم كله سيشعل حرباً دينية وعبثية، حرب الجميع ضد الجميع، في عصر تحكمه أسلحة دمار شامل، وتكفي ضغطة زر لبدء عملية إبادة جماعية للجنس البشري، تلك هي المأساة التي يتخادم فيها «الإسلاموفوبيا» والمتطرفون.
يحاول الشيخ بن بيه سرد رواية الإسلام الصحيحة - على حد تعبيره - من خلال تصحيح المفاهيم التي امتطاها المتطرفون لقرون، وليس لسنوات فقط، كمفهوم الجهاد والخلافة، وتقسيم العالم إلى دار حرب ودار إسلام، والولاء والبراء، وغيرها من المفاهيم التي جعلت من المسلم عنيفاً، حتى إن لم يكن يشعر بذلك. لهذا يعمل الشيخ جاهداً مع مجموعات دينية مختلفة لجمع شمل العائلة الإبراهيمية أولاً، ثم الإنسانية ممثلة في قادة الأديان، فتحقيق السلام بين الناس لابد أن يبدأ بتحقيق السلام بين الديانات أولاً، لأنها المطية التي تقاتلوا على ظهورها. يقول الشيخ بن بيه: «ما جدوى أن يغزو الإنسان الفضاء ويبلغ أقصى الكواكب، بينما يظل عاجزاً عن التفاهم مع أخيه ونظيره؟».
yasser.hareb@gmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .