أبواب
رجل في فترينة
على غرار الطفل المعجزة، المرأة الحديدية، الفتاة الخارقة، العجوز المدهشة، يستحق أي إنسان عربي أن يوضع في «فترينة» بمتحف عالمي، مع قليل من الأضواء والموسيقى المدروسة، لتتفرّج عليه الوفود السياحية من مختلف أرجاء العالم، وتتعرف إلى قدرة هذا الكائن الهائلة على التحمّل.
• يستحق المواطن العربي أن يوضع في المتحف، كأقوى كائن في الدنيا، مشت على ظهره عشرات الحروب، وشقّت لحاف حلمه 1000 طائرة إف 16 وسوخوي... |
فالمواطن العربي عاصر حرب الــ48، وسمع الخطابات العربية الحماسية والوعود الهدّارة، وشاهد بأم عينيه دخان الدبابات، وسمع أزيز الرصاص وهدير الطائرات، ثم ابتلع في صدره «النكبة» وصبر.. في عام 1967 سقوا نفسه الأمل من جديد، فاستمع إلى الخطابات العربية الحماسية نفسها، والوعود الكبيرة، وشاهد - بأم عينيه أيضاً - دخان الدبابات، وسمع أزيز الرصاص وهدير الطائرات، ثم ابتلع في صدره نتيجة «النكسة» وصبر، كما شهد الحرب الأهلية اللبنانية 1975، وسمع الخطابات العربية الحماسية والوعود الكبيرة، ثم ابتلع في صدره الفرقة وصبر، ثم في عام 1980 عاصر الحرب العراقية - الإيرانية، وسمع الخطابات العربية الحماسية، والوعود الهدارة، وشاهد بأم عينيه دخان الدبابات وأزيز الرصاص وهدير الطائرات، ثم ابتلع استنزاف العراق في صدره وصبر، شهد الانتفاضتين الأولى والثانية، وشهد حربي الخليج الثانية والثالثة، واحتلال العراق، وتغيّر لكنته وطبائع نخله، ورأى تقسيم السودان إلى سودانين، وانشطار ليبيا إلى شرقية وغربية، وانشطار اليمن إلى شمالية وجنوبية، وانشطار سورية إلى 1000 سورية، ومع ذلك بقي مواظباً على سماع الخطابات العربية الحماسية، والوعود الهدارة، ومشاهدة دخان الدبابات، وسمع أزيز الرصاص وهدير الطائرات، وابتلع الخيبات والنكبات والنكسات والضربات في صدره ويصبر.
يستحق المواطن العربي أن يوضع في متحف عالمي، كأقوى كائن في الدنيا، مشت على ظهره عشرات الحروب، وشقّت لحاف حلمه 1000 طائرة إف 16 وسوخوي، وانسكب الرصاص الساخن في أذنيه، ولوّن دخان القنابل بشرته، ومازال قادراً على الحياة، ومازال يحرّك إبرة الراديو كل صباح ليسمع آخر أخبار العرب..
إنه تحفة العصر التي لا تنكسر مهما ضربت بصواريخ الخطاب!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .