أنا أكره المسابقات
بسبب طفولتي المختطفة، أكره جميع المسابقات، وأمقت المتنافسين والمتناحرين على المراكز الأولى، حتى اللحظة كلما صادفت برنامجاً تقليدياً فيه تحدٍّ بين شخصين أو فريقين؛ من يضغط الزر أولاً يَفُز، ومن يُجِب عن الأسئلة يربح، ومن يتلكأ يخسر.. أقلب المحطة على شيء آخر مختلف.
لمَ كل هذه المتاجرة بأحلام الصغار ، لماذا تختطفون طفولتهم وتريدون أن تصنعوا منهم نجوماً عنوة؟ |
في العطل الصيفية والفصلية كان يجبرنا معلمونا على الدخول في مسابقات المطالعة، أو حفظ أجزاء طويلة من القرآن الكريم، رابطين بين هذا النشاط وحصولنا على العلامات التي نستحقها، وإذا تململنا أو رفضنا أو حاولنا الاعتذار عوقبنا بأقسى عبارات التوبيخ والاتهام بالتقصير وعدم حب الدّين، كان من هم في جيلنا من الأطفال - غير المتفوقين دراسياً - يلعبون في الحارات، يسرحون ويمرحون يعيشون طفولتهم كما يجب، ونحن نمسك بكتب المطالعة وقصص الأدب أو «ربع ياسين» ونحفظ نعيد ونكرر الآيات أكثر من مرة؛ ثم نعود إلى معاني الكلمات، وأسباب النزول، وهل هي مكية أم مدنية، وغيرها من الأسئلة المتوقعة.
لماذا أكره المسابقات؟ حرمت من جميع العطل وأوقات الفراغ من أجل الحفظ، لم أركب درّاجة ولم أركل كرة في الحي، ولم أتنفس خارج البيت، وبقيت أستعد للمسابقة حتى يرضى عني معلمو وإدارة المدرسة، جاء يوم الامتحان جلسنا طلاباً عديدين من مدارس مختلفة، وصاروا ينادون على الأسماء الواحد تلو الآخر.. الفاحصون ثلاثة أساتذة في التربية الإسلامية، اقرأ يا بني من سورة «كذا.. الآية كذا.. حسبُك..»، «اقرأ من سورة» كذا.. الآية التي تقول.. قرأت تلعثمت.. قفزوا عنها بسورة ثالثة: قرأت أربع آيات صحيحة وأدخلت الخامسة من سورة مختلفة.. ما معنى «المطففين»؟ جاوبتهم، توشوشوا تشاورا ثم قالوا «ارجع إلى مكانك»، في نهاية المطاف لم أفز، وفاز ابن أحد أعضاء اللجنة، وتبخرت عطلتي وفرصتي في اللعب بعد تعب شهرين متتابعين من الحفظ، واساني المدرّس في طريق العودة إلى البيت سيراً على الأقدام: «كسبت الآخرة يا ابني».
قبل أسابيع كنت أشاهد حلقة من برنامج «ذا فويس كيدز»، وشاهدت الدموع تنهمر من عيون طفلة رقيقة لأنها لم تفز، حزنت جداً، وغضبت جداً، وحقدت على القناة وعلى الفنانين الثلاثة، لِمَ كل هذه المتاجرة بأحلام الصغار وفرحهم، لماذا تختطفون طفولتهم وتريدون أن تصنعوا منهم نجوماً عنوة؟ ما ذنب هذه الطفلة أو غيرها لكي تفشلها اللجنة وتحبطها وتترك ندبة على روحها مدى الحياة؟ اتركوا الأطفال للطفولة.. الأوجاع في مثل هذا العمر لا تُمحى.
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .