النظافة ثقافة وقناعة..
رواندا بلد إفريقي، بالتأكيد ليس غنياً، لكنه يتمتع بدرجة عالية من النظافة، خصوصاً في العاصمة كيجالي، والسبب المباشر في ذلك لا يرجع إلى قوانين مشددة، بل إلى انتشار الثقافة عند الناس، ثقافة الحفاظ على نظافة المدينة، وعدم الإضرار بالبيئة، هي ليست كأوروبا أو بقية الدول التي تفرض غرامات وعقوبات على كل من يلقي بالقاذورات في الشوارع والطرق العامة، حيث لا يوجد قانون شبيه بذلك، ولكن هناك التزام شعبي واسع يحتم على كل مواطن تنظيف بيته ومنطقته ومدينته، وهذا الالتزام نابع من الثقافة وحدها!
في رواندا هناك يوم واحد في الشهر، هو السبت الأخير من كل شهر، تُغلق فيه الشوارع أمام حركة المرور، وينزل جميع فئات الشعب من القادرين على العمل، والطلاب، لينظفوا شوارع المدينة بأكملها، يقومون بهذا الفعل بشكل تطوعي، دون مكافآت ولا عقوبات، والأكثر من ذلك أن العُرف السائد لدى أهل رواندا أن من يتقاعس عن الخروج في ذلك اليوم لتنظيف المدينة هو خائن لبلاده، فهم يعتبرون أن النظافة خدمة مجتمعية، ومن لا يخدم بلاده يستحق لقب خائن، طبعاً هذا هو تصنيف الناس لبعضهم دون تدخل من حكومة أو قانون، بمعنى لا يوجد أي إجبار من الحكومة لجعل الشعب ينظف الشوارع، ولكن تغلغل هذه الثقافة بين الناس جعلها أشد من أي قانون مكتوب!
هذا الفعل، وانتشار هذه الثقافة، جعلا النظافة هاجساً لدى الشعب الرواندي، وتحول إلى عادة سرت على بقية أيام الأسبوع، لتصبح الشوارع نظيفة بشكل مستمر، لذلك علينا أن نعي جيداً أن الممارسات السلبية تحتاج إلى مواجهتها بالوعي والثقافة قبل العقوبة والقانون، وإذا تمكن هذا الوعي، وانتشرت الثقافة في مكان ما، فإن الممارسات الإيجابية ستنتشر تلقائياً.
قبل أسبوع تقريباً نظمت وزارة التغير المناخي والبيئة، بالتعاون مع مجلس الشارقة للإعلام، حملة بيئية للإعلاميين لتنظيف البر، وبصراحة ما شهدناه في بقعة صحراوية لا تتجاوز كيلومتراً، كان شيئاً مؤسفاً حقاً، مع العلم أن بلدية الشارقة توقفت لمدة يوم واحد فقط عن تنظيف المنطقة قبل حملة التنظيف، فانتشرت الأوساخ والأكياس والعلب الفارغة وبقايا مستلزمات التخييم في كل مكان، مع العلم أن صناديق القمامة موجودة على طول الطريق!
مثل هذا المشهد يتكرر كثيراً في مختلف المناطق الصحراوية، وبشكل ينم عن غياب الوازع الديني أولاً، ومن ثم البيئي والاجتماعي والوطني، فالنظافة جزء من الدين، كما أن قطعة بلاستيك صغيرة قد تقضي على حياة حيوان، وتشوه المنظر العام، وتلحق ضرراً بيئياً بمكونات الحياة الصحراوية، مع أن المطلوب لا يعد صعباً أبداً، وكل ما في الأمر أن يستمتع كل منا كيف يشاء في البر، ثم يحمل مخلفاته ويرميها في أقرب صندوق للقمامة، هذا كل ما في الأمر!
هذا الفعل البسيط جداً يحمل رسالة عظيمة للأبناء، ويجعل ثقافة النظافة تنتشر في الأسرة ومنها إلى المدرسة، ومن المدرسة للمجتمع، وستتحول مع الوقت إلى نمط حياة لدى الجميع، وهذا يضمن بقاء بيئتنا نظيفة، وصحرائنا نقطة جذب، ويجعل مهمة الحفاظ عليها أسهل، دون عقوبات وغرامات، علينا فقط أن نفكر في الطرق والوسائل التي ستوصل المجتمع إلى هذه القناعة!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .