أبواب
ديمقراطية عربية
قلت في نفسي: إذا لم تستطع أن تمارسها كما يجب على نطاق واسع، فصغّرها على مقاسك وافعل ما شئت، لأنك خلف الباب المغلق تستطيع أن تكون صاحب القرار وصانع الأمنيات، وهي فرصة لتزرع في أولادك التربية الديمقراطية السليمة غير المشوّهة، ليكونوا جاهزين في المستقبل لتقبّل النصر والهزيمة، الاختلاف والاتفاق، احترام الرأي والرأي الآخر، دون تزوير أو إجبار أو تشويه للديمقراطية وإرادة الأغلبية.
نتيجة التصويت الشفاف، فاز فريق «الكباب» عن جدارة واستحقاق.. وأقاموا احتفالات آنية، وكنت أبتسم لهم ابتسامات صفراء متقبلاً الهزيمة صورياً.. |
كان ذلك مساء يوم الخميس، قلت بصوت الأب الواثق: يا أولاد، ماذا تفضّلون أن يكون غداء يوم الجمعة؟ لا تقولوا «اللي تشوفه».. «اللي بدك إياه».. «زي ما بتحب»، فهذه الكلمات أكرهها، ويجب أن نتخلّص منها جميعاً، فكلكم صاحب رأي وصاحب قرار في هذا البيت، والأغلبية سنمضي معها بكل حب واحترام، لذلك كل منكم يطرح الوجبة المفضّلة لديه يوم غد الجمعة، وسأبدأ بنفسي، واختار وجبتي: أفضّل الــ«مفتول».. بعد صمت دام دقائق، تجرأت الزوجة: «مقلوبة»، عبود: «منسف»، حمزة: «كباب»، جونيا: «كبسة»، لميس: «برياني»، حسن بقي تائهاً منشدّاً لأسماء الوجبات التي يُنطق بها على مسامعه.. قلت: وفقاً للديمقراطية، وبما أنه لم يحسم التصويت النتيجة، أو تظفر وجبة بأغلبية، فسنلجأ إلى القرعة، وسأترك حسن، أصغر الأولاد وأكثرهم براءة - الذي لا يجيد القراءة والكتابة - يختار الورقة، وسنعيد الكرّة خمس مرّات، والوجبة التي تحصل على تصويت أكثر سنطبخها في اليوم التالي. كتبت على خمس قصاصات أسماء الوجبات المقترحة، وهذا إجراء بمنتهى الشفافية، مع أنه كان متاحاً لي التزوير منذ البداية، المهم، طويتها، ثم قمت بهزّها في كوب فارغ، ورميتها على الأرض، وطلبت من أصغرهم أن يختار.. تردّد قليلاً، وسألني عن الأوراق: «اياها اللي فيها كباب»؟ وهذا أول التفاف على الديمقراطية، نهرته، وقلت له بحزم: لا أعلم، عليك أن تختار.. المهم حازت «الكبسة» صوتاً واحداً، والمفتول كذلك، والكباب ثلاثة أصوات، بينما لم تحرز المقلوبة والبرياني أي صوت.. ونتيجة هذا التصويت الشفاف، فقد فاز فريق الكباب عن جدارة واستحقاق.. وأقاموا احتفالات آنية، وكنت أبتسم لهم ابتسامات صفراء، متقبلاً الهزيمة صورياً..
آخر الليل، عندما نام الأولاد جميعاً، قلت لزوجتي: «انقعي حمص.. بكره مفتول، قالت: والتصويت؟ قلت: «بلا تصويت بلا بطيخ، هظول مش عارفين مصلحتهم»!
ahmedalzoubi@hotmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .