كـل يــوم
نموذج لمواطن في القطاع الخاص!
سُررت جداً برؤيته، هو شابٌ مواطن في مقتبل العمر، يعمل بائعاً في محل ملابس بمركز تجاري شهير، وسبب سعادتي أنه مثال لشاب إماراتي من الجيل الجديد، استطاع أن يكسر ثقافة العيب، وتغلب على كل المظاهر الاجتماعية، والتحق بعمل شريف في مجال يندر أن نشاهد مواطنين يعملون به، رغم أن هذا المجال أحد أهم مكونات الاقتصاد والسياحة في الإمارات!
لم يرفض هذا الشاب الوظيفة، ولم يكن اتكالياً، ولم يجلس في منزله ينتظر فرصة من إحدى الجهات الرسمية، التي تسعى إلى توظيف المواطنين في القطاع الخاص، بل بادر بجهد، وتحمل كل التبعات، وعمل في وظيفة بسيطة، لكنها بالنسبة له أفضل بكثير من أن يعتمد على غيره، هكذا كان تفكيره..
لم أشأ أن أفتح معه أي حوار يتعلق بالكيفية التي جعلته يختار هذا العمل، وكيف فكّر، وقرر، ونفّذ الفكرة، فلم أكن أريد أن أشعره بوجود خطأ ما في وجوده ضمن موظفي هذا المكان، لكنه هو من بادر بالتحدث، وحديثه كان في غاية الأهمية، ويلقي بالضوء على مشكلة أعداد كبيرة من المواطنين العاملين بالقطاع، ومُلخص هذه المشكلة أن شباب الإمارات - بشكل عام - لا يرفضون الالتحاق بالقطاع الخاص تكبراً على الوظيفة، ولديهم الرغبة الصادقة للعمل بأي شيء، وأي مكان، ولديهم قناعة جميلة جداً، هي أن العمل الشريف ليس عيباً، بل هو شيء يدعو للفخر والاعتزاز، فالمشكلة ليست في الشباب بقدر ما هي في القطاع نفسه، فهو بحق غير جاذب لهم، وإن قرروا الانخراط فيه لسبب ما، فإنهم حتماً يجدون 100 سبب آخر، تجعلهم يخرجون بل يهربون منه!
القطاع الخاص ليس صديقاً للمواطنين، ولا يراعيهم إطلاقاً، فساعات عمله طويلة جداً، ومزاياه قليلة إن لم تكن معدومة، وإجازاته الاجتماعية والمناسباتية، أيضاً، غير عادلة مع القطاع الحكومي، هو لا يُقارن أبداً بالعمل الحكومي، وهذا شيء طبيعي، لكن على أقل تقدير يجب أن تكون هناك حدود دنيا، تجعل المواطنين يرغبون في العمل والاستمرار به، وهذا الأمر لن تبادر الشركات بالتفكير فيه ما لم تتدخل الجهات الحكومية لإقناعها به!
البعض سيرى أن ذلك مستحيل، وقد يكون الأمر فعلاً كذلك، لكن الأوضاع إذا استمرت بالطريقة نفسها في القطاع الخاص، فإن الحكومة لن تستطيع توظيف المواطنين في أي مجال من مجالاته، وإن استطاعت توظيفهم حالياً فإن استمراريتهم في الوظيفة لن تكون طويلة أبداً، ليس لعيب فيهم كما ذكرت، بل لعيب في طريقة عمل وأسلوب القطاع في التعاطي معهم!
ولحل هذه المشكلة لابد من محاولة تجسير هذه الهوة، بشكل يكون مقبولاً لاستقطاب مزيد من المواطنين، ولا يشكل في الوقت نفسه عبئاً إضافياً على شركات القطاع الخاص، فهي ليست لديها النية إطلاقاً للتنازل - ولو بنسبة قليلة من أرباحها - لصالح مزايا جديدة للعاملين المواطنين، لذا فلابد من بعض المزايا الحكومية للقطاع الخاص، أولاً لتشجيعه على استيعاب المواطنين، ومزايا للشباب العاملين بالقطاع الخاص، لضمان استمراريتهم هناك، وبذلك نستطيع التغلب على هذه المعضلة، أما تعيينهم لمجرد التوظيف فهو دون شك حل مؤقت.. قد لا يدوم طويلاً!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .