ظاهرة سلبية تستحق التدخل الحكومي..
بالتأكيد ما فعله الإماراتي عبدالله الحوسني، في العاصمة البريطانية لندن، هو عمل شجاع بكل معنى الكلمة، فلقد استطاع بمفرده، ومن داخل سيارته، أن يقبض ويسيطر على ذلك المعتدي، الذي تعمد تشويه السيارات الخليجية دون مبرر، ولم يستطع ذلك المعتدي التخلص من قبضة الحوسني، رغم ضرباته ومحاولاته العنيفة والقوية، فخارت قواه، ولم يستطع التصرف، بل بدأ في التوسل إليه كي يتركه، إلى حين وصول الشرطة، لتلقي القبض عليه، ويذهب لمواجهة مصيره في أحد سجون بريطانيا!
وبعيداً عن شجاعة الحوسني وحُسن تصرفه، ومهما كانت دوافع ذلك الشخص العابث الحاقد العنصري لتشويه السيارات، لابد هُنا من وقفة متجددة مع تلك الظاهرة القديمة المتجددة أيضاً، ظاهرة شحن السيارات الفارهة من الإمارات لاستخدامها في لندن، أو غيرها من المدن الأوروبية الشهيرة.
فهذه الظاهرة، وهذه السيارات الفارهة، وبلوحاتنا الإماراتية، تجعلنا عُرضة للاستهداف بشكل عام، والاستهداف هُنا له أسباب وأشكال كثيرة، فقد يكون بغرض السرقة، أو لهدف عُنصري، أو حتى بسبب الحقد والغيرة والحسد والكراهية، فما الذي يجبرنا كي نُساعد كل حاقد أو لص أو معتوه على أن نكون هدفاً مُعلناً وواضحاً له، بتصرفاتنا غير المنطقية!
الخليجيون ليسوا وحدهم أثرياء العالم، وهناك شعوب تمتلك ثروات لا تقل عنهم، بل أحياناً أكثر منهم بكثير، وهناك نحو 33 مليون شخص بالغ في العالم يحوز كل منهم ما يراوح بين مليون و50 مليون دولار، ويشكل الأثرياء في الولايات المتحدة نسبة 45% من هذه المجموعة، يليهم الأوروبيون بنسبة 30%، وتستأثر دول منطقة آسيا والباسيفيك بنسبة 18%، بعد استبعاد الهند والصين، وتصل حصة الصين، البالغ عدد سكانها 1.6 مليار نسمة، إلى نحو 5% من هذه المجموعة، ومع ذلك لم نشاهد إطلاقاً سيارة فارهة تحمل لوحات الصين أو أميركا تتجول في مدن أوروبا، ولم نشاهد سيارة فارهة لثري سويسري أو صيني أو هندي بلوحات بلدانهم، تتجول في بوليفارد محمد بن راشد، أو منطقة الـ«جي بي آر» على سبيل المثال، ليس لأنهم غير قادرين، بل لأنهم منطقيون!
هناك تصرفات غير مقبولة حتى من الأثرياء، فلا يوجد سبب مقنع يجعل الشخص يدفع مبالغ طائلة من أجل شحن سيارة إلى عواصم أوروبا، في حين أنه يستطيع استئجار السيارة ذاتها بربع القيمة في أي مدينة أوروبية، وإذا كان الهدف من الشحن هو إبراز لوحة السيارة «الإماراتية»، ولأي سبب كان، فعلى هؤلاء جميعاً أن يعرفوا أن تفوق الإمارات عالمياً، وشُهرتها، لم يكونا يوماً بسبب وجود لوحات سياراتها في أوروبا، ومثل هذا التصرف قد يسيء إلينا في كثير من الأحيان بدلاً من أن ينفعنا، خصوصاً أنه يُكرّس تلك الصورة الذهنية النمطية الموجودة في عقلية الأوروبيين خصوصاً، والعالم عموماً، بأننا شعب ثري لا نكترث بالمال، ونعبث به، ولا نستحقه، لذا فهم لا يخفون أبداً طمعهم فيه، وتمنياتهم بزواله منّا!
الإماراتيون شعب طيب خلوق محترم بين الشعوب، ولم ننل هذا الاحترام بسبب سياراتنا، بل بأخلاقنا وأفعالنا، وشحن السيارات الفارهة معنا أينما وجدنا فعل لا يناسب طبيعتنا، بل على العكس يُعطي العالم صورة مغايرة تماماً، ويُثير ضدنا الكراهية والعدائية، لذلك لابد من وقفة رسمية جادة تجاه هذا الموضوع، فلم يعد يُمكن تصنيفه ضمن الحريات الشخصية بقدر ما هو إساءة، وجهد إضافي يضاف إلى مهام سفاراتنا في حالة وقوع أي مكروه، ومادام الأمر غير مهم إطلاقاً، ولا يعتبر ضرورة من ضرورات السفر القصوى، كما أنه ليس مسألة حياة أو موت، فلا مانع من أن تتدخل الحكومة لوضع ضوابط تُقيد بها هذه الظاهرة السلبية، وتعمل على تقنين هذا الأمر، للحد من هذا السلوك، لأنه فعلاً عملٌ مُسيء!
reyami@emaratalyoum.com
twitter@samialreyami
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .