مرض «أنا أعرف كل شيء»
من الأمراض النفسية المنتشرة مرض من أعراضه تظاهر وادعاء الشخص أنه يعلم كل شيء، كان احتواؤه ممكناً في الماضي، لكن اليوم في عهد «السوشيال ميديا» أصبح آفة منتشرة على كل المنصات الإلكترونية.
المصابون بمرض «أعرف كل شيء» يظهرون أنفسهم خبراء في كل شيء، بينما معلوماتهم وسلوكهم يثبتان العكس. |
فكل يدلي بدلوه، فهذا يحذر من مخاطر منتجات مفحوصة وسليمة في أسواق الدولة، إلى ذلك الذي يعلم من أين تؤكل الدجاجة حتى تتجنب الجزء المتأثر بالمضاد الحيوي، إلى الذي يقرأ كتب تاريخ للجمهور على حسابه، ويتحدث في الدين والفقه والسياسة وحتى السينما!
قرأت أخيراً معلومة تقول إن الجزر مفيد للعينين لكنه لا يقوي النظر، والاستشهاد بقصة طيار بريطاني من الحرب العالمية الثانية، منتشر على مواقع كثيرة.
بحثت في الموضوع لأني لا أثق بكل ما ينشر، خصوصاً الموضوعات العلمية باللغة العربية من قِبل غير مؤهلين، ولأن الكلام تعارض مع قراءاتي في مجال التغذية، ووجدت أن المعلومة غير دقيقة، فالجزر يحافظ على صحة العينين وأيضاً يقوي النظر في بعض الظروف طبقاً لموقع «أميركان ساينتفيك»، ومركز «كالغاري للرؤية»، نظراً إلى احتوائه على مادة «بيتا كاروتين» التي يحولها الجسم إلى فيتامين A الذي يعمل على تحسين البصر ليلاً، بتحويل الضوء إلى إشارات للمخ، وتالياً تحسين القدرة على النظر في الإضاءة المنخفضة.
القرنية كذلك قد تختفي، ويصاب الإنسان بالعمى لو انعدم فيتامين A من الجسم، كل عام هناك 250 ألفاً إلى 500 ألف طفل يصابون بالعمى نتيجة نقص هذا الفيتامين. موقع «أميركان ساينتفيك» ذكر نيبال كدولة يعاني سكانها من نقص شديد في هذا الفيتامين، وأيضاً تجربة أجريت على مجموعة من النساء أثبتت أن الجزر ساعد على تحسين الرؤية الليلية لديهن، بعد ستة أسابيع من التناول المتواصل.
المصابون بمرض «أعرف كل شيء» يظهرون أنفسهم خبراء في كل شيء، بينما معلوماتهم وسلوكهم يثبتان العكس. من سماتهم: الهيمنة على الحوارات، إبداء الرأي والنصائح من دون طلب، إثارة الجدل في كل مكان، ينظرون بدونية للغير، خصوصاً أصحاب الشغف، ويشعلون نقاشات عقيمة.
المصاب بـ«أعرف كل شيء» قد يبدي غروراً، لكن ذلك لا يعني أن لديه ثقة بالنفس، في الحقيقة قد يعاني هؤلاء من نقص في الاعتداد بالنفس، ويستخدمون تبجحهم في إثبات أنهم أذكى من الآخرين ومما هم عليه، المرض أيضاً يغطي قلقاً داخلياً يزداد عند شعورهم بعدم الارتياح.
نضيف أيضاً أنهم مصابون بالنرجسية، وغالباً يكون الشخص قد تعرض لطفولة قاسية تم تعنيفه بشدة خلالها، أو تطلق والداه في طفولته، أو عانى قساوة الحياة في فترة المراهقة وهرب من المنزل مثلاً، أو قد تكون العائلة تعرضت لصدمات كثيرة أثرت في جميع أفرادها، فيتولد المرض لأحدهم، ويحاول تغطية العيوب والنواقص بادعاء معرفة كل شيء.
ختاماً: نحن نعيش في زمن خطير، فكل القنوات التي تأتينا بالمعلومات مفتوحة، والكثير من المعلومات عبارة عن هراء ومغالطات، إما عن جهل شديد من الساعين إلى الشهرة، ويجهلون قواعد البحث العلمي بالاستشهاد بدراسات لا وجود لها، أو عن نرجسية تغطي تعاسة وإحباطاً شديدين، وتضخم إنجازات خيالية وبطولات وهمية في عالم من سراب مثالي لا يمت للواقع بصلة.
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .