الابتعاد عن أهداف المبادرات بالتباهي والاستعراض!

لو أن هيئة الطيران المدني اكتفت بالاعتذار عن ذلك الخطأ الشنيع، الذي اقترفته في حق الطفولة، بعد أن أعلنت عن توظيف طفل لم يتجاوز عمره ثمانية أشهر في وظيفة «تنفيذي رئيسي - سعادة»، لكان الأمر انتهى تقريباً، فالخطأ وارد، و«الاجتهادات الشخصية» غير الموفقة أصبحت تشكل شبه ظاهرة «متكررة» في المؤسسات الحكومية، وهي تصيب قليلاً وتخطئ كثيراً، ومع ذلك تبقى اجتهادات!

لكن أن تربط الهيئة اعتذارها بتبرير فيه تذاكٍ على الناس وتجنٍّ عليهم، باعتبارهم هم الذين لم يفهموا الإعلان، وهم الذين ألَّفوا قصة التوظيف، في حين أن الهيئة لم تتطرق أبداً لتوظيف الطفل، فالأمر غير مقبول، والاعتذار أيضاً غير مقبول، وهو بحق عذر أقبح من ذنب، خصوصاً أن المادة الإعلانية بصورها ولقطاتها المصورة موجودة، ولا يمكن إخفاؤها، وهي تظهر الحقيقة التي لا يستطيع مسؤولو الهيئة إنكارها بتصريح نفي!

عموماً ليس المهم الآن إدانة الهيئة على ذلك الخطأ غير المقبول عالمياً ومحلياً، والذي يتعارض ويتنافى مع كل القوانين العالمية والمحلية الخاصة بالطفل، وفيه انتهاك واضح للطفل والطفولة معاً، فهي مدانة دون شك، لكن البحث في أسباب هذه الغلطة هو الأهم والأشمل، وهو الأمر الذي بدأنا نلاحظه في معظم المؤسسات والهيئات والوزارات الحكومية، حيث بدأ المسؤولون يخطئون في فهم تنفيذ الاستراتيجيات والتوجيهات العليا التي يُقرها القادة، وتُقرها الحكومة، فأصبحوا يتجهون نحو التباهي والاستعراض، ومحاولة تحقيق مكاسب دعائية وإعلامية، بدلاً من التنفيذ الواقعي الميداني المُفيد للمراجعين والمواطنين!

تكرر ذلك كثيراً، وحاد كثير من المسؤولين عن الهدف الأساسي لإطلاق أي مبادرة أو استراتيجية، وأصبحوا يلهثون وراء خطوات غير فعالة تضمن لهم السبق والانتشار الإعلامي الداخلي أو الخارجي، دون الالتفات الحقيقي إلى مضمون المبادرة أو الاستراتيجية، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، ويكفي فقط استعراض أهم الاستراتيجيات والمبادرات التي أطلقتها الحكومة، خلال السنوات العشر الماضية، ومقارنتها بتحركات المؤسسات والدوائر والوزارات إعلامياً وترويجياً، مقابل المضمون الحقيقي على أرض الواقع، عندها سندرك الفرق!

قبل أيام قليلة غرّد معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، منتقداً تحويل بعض مراكز الخدمة إلى ما يشبه صالات الاستقبال في الفنادق أو حتى صالات الأعراس بما تقدمه من قهوة وشاي و«بلاليط»، وغيرها من الأكلات الشعبية، في حين أن التوجه الحكومي يسير في اتجاه إلغاء هذه المراكز، وتقديم كل الخدمات عن طريق الحكومة الإلكترونية أو الذكية، وهذا مثال واضح وصارخ يؤكد أن هناك من لم يفهم توجيهات الحكومة بشكل جيد، وهناك من يسعى نحو القشور ويبتعد عن الجوهر!

السعادة لا تعني توظيف طفل يتناول «مصاصة» بين المراجعين، ولا تعني تغيير اسم إدارة من إدارة الموارد البشرية إلى إدارة سعادة الموظفين، ولا اسم مركز خدمة إلى مركز إسعاد المتعاملين، دون أن يكون هناك تغيير جذري وحقيقي في الممارسات والخدمات المقدمة، والجودة لا تعني صالة استقبال خمس نجوم مع بقاء الطلبات المرهقة كما هي، ومع استمرارية روتين تكرار الأوراق المطلوبة، بل هي تقديم الخدمة بتسهيل ودون عرقلة وتعطيل، وبفكر حديث وراقٍ، فهل يُدرك بعض المسؤولين أن الفرقعات الإعلامية تختفي سريعاً، بينما يسهل اكتشاف الحقيقة على الأرض، دون استعراض أو تباهٍ أو تطبيل؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة