كل يوم
تحركات «مُريبة» للأخطبوط في الإمارات!
التحذير من ظاهرة «أمازون» لا مبالغة فيه، فهي تشكل خطراً حقيقياً على اقتصادات الدول، بل إنها تشكلاً خطراً على الولايات المتحدة ذاتها، والدول الأخرى التي تُصنف على أنها «عظمى»، حيث يطلق محللون اقتصاديون تحذيرات مستمرة مما سموه «التأثير الزلزالي لأمازون»، أو حالة الخلخلة والاهتزاز التي تحدثها «أمازون» أينما حلت.
والعديد من الدراسات رصدت الكثير من الأمثلة على هذا التأثير في عقر دار الولايات المتحدة، حيث اختفت أنشطة اقتصادية، وتضررت أخرى بشدة، وهبطت مؤشرات أسهم الكثير من الشركات التي كانت تُعتبر ضخمة، وبِيعت هيئات حكومية كالبريد، كل ذلك بسبب دخول «أمازون» على خط المنافسة لأنشطتها، والأمثلة تزيد وتزيد خارج الولايات المتحدة، حيث دخلت دول الاتحاد الأوروبي معركة قضائية مع هذه الشركة، حول قضية الضرائب والمكاسب التي تحققها من وراء التجارة الإلكترونية العابرة للحدود، ووصل المبلغ محل الخلاف إلى نحو مليار ونصف المليار دولار!
وخلال الأيام الماضية، تقدمت «أمازون» بطلب رسمي للاستحواذ على حصة مسيطرة تقدر بنحو 60% من سوق «فليب بارت» الهندية لتجارة التجزئة، التي تسيطر بدورها على حصة كبيرة جداً من مبيعات التجارة الإلكترونية، والتي تُقدر بـ200 مليار دولار خلال 10 سنوات، لتعلن بذلك حرباً على سوق التجزئة الهندية!
وصول هذا الأخطبوط الساحق إلى الإمارات ينذر بتدمير قطاعات اقتصادية كاملة، أولها قطاع التجزئة، الذي بلغ حجمه 261 مليار درهم خلال العام الماضي، والمتوقع أن يتوسع بنسبة نمو سنوي مركب تبلغ 4.9% حتى عام 2021، وبكل تأكيد هذه النسبة وهذه الأرقام قد يتحول معظمها إلى أرباح صافية لهذه الشركة!
الغريب في الأمر أن «أمازون» تمارس عملها في الإمارات بشكل مريب، فهل يُعقل أن تأخذ الشركة ترخيصاً عادياً لا تتجاوز قيمته آلافاً عدة من الدراهم، مع شريك مواطن «صوري»، وبنسبة 51% و49%، دون أن تكون عليها أي التزامات مالية، ودون أن يستفيد اقتصاد البلد منها شيئاً، في حين ستتسبب مستقبلاً في القضاء على قطاعات اقتصادية كاملة، وإفلاس قطاعات اقتصادية أخرى، وإغلاق مؤسسات، وإلغاء وظائف، وستعمل على نشر البطالة لدى عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من البشر، وستجني أرباحاً تصل إلى عشرات المليارات، كل ذلك مقابل لا شيء، مع العلم بأن أصول هذه الشركة تفوق 700 مليار دولار، فماذا استفاد اقتصاد الإمارات من هذه المليارات؟!
بالتأكيد لسنا ضد التطور، فالإمارات من أولى الدول العربية التي طبّقت التجارة الإلكترونية، لكن الوضع اليوم خرج عن إطار التجارة ليدخل في إطار التدمير الاقتصادي، وتحويل مليارات البلد إلى أرباح صافية دون مقابل، لشركة خارجية واحدة، وهو تحكم واحتكار فعلي للسوق، له تبعات اقتصادية وسياسية كبيرة، وخطرة، فهل نقف مكتوفي الأيدي أمام هذا الأخطبوط الشرس، الذي يتغلغل كالسرطان دون أن يشعر به أحد!
المواجهة يجب أن تكون بتحكيم القوانين لحماية اقتصاد الإمارات، هذا أولاً، وتقييد أيادي هذا الأخطبوط ثانياً، ودعم الشركات المحلية ذات الطابع التجاري الشبيه ثالثاً، وفرض الرسوم والضرائب التي تتناسب وحجم هذا العملاق، بدلاً من تستره خلف رخصة تجارية «مريبة»، هذه الأمور وغيرها ليست مستحيلة، فالدولة لها كل الحق في حماية اقتصادها وقطاعاتها الاقتصادية، ولنا في هيئة الطرق والمواصلات أسوة حسنة، حينما قيدت شركة «أوبر» العالمية، وجعلتها تعمل بنظام الإمارات، ونجحت في ذلك، بحيث أصبحت دبي هي المكان الوحيد ربما الذي تقدم فيه «أوبر» خدمة مختلفة بشروط إماراتية!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .