«ديني أفديه بروحي»
هذه الكلمة الكبيرة لو أنك ــ أيها القارئ الكريم ــ سمعتها من إنسانٍ ما لقلت إن هذا الرجل ذو دين مكين، وإنه معتز بدينه، ومفاخر به الناس أجمعين، وقد يكون دينه دين حق أو باطل، لكنك تعرف أنه صاحب عقيدة ومبدأ، فإذا سمعت مثلها من رجل عظيم وقائد كبير، كصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله، فإنك تُكْبره حقّاً، وتعلم أن هذا الرجل المسلم من أشد الناس تمسكاً بدينه، وأنه لا يساوم
التضحية بالنفس هي من أجلِ تصحيح صورة الإسلام التي شُوِّهت بجرائم وبوائق مفزعة. |
فيه، وتعلم أنه يعمل لخدمة دينه من موقع مسؤولياته الكبيرة ما لا يعمله غيره من عموم الأفراد، وأنه يقدم من أجل ذلك النفس والنفيس، وأن الإيمان بدينه قد خامر قلبه وقالبه، فلذلك يكون منه مثل هذا التعبير الدال على رسوخ عقيدته.
لا جرم أن يقول سموه مثل هذا الكلام الإيماني العميق، فهو الذي تربى في حجر الرجل الكبير في دينه ودنياه؛ إنه الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، الذي أُشرب قلبه الإيمان، وأنطق لسانه بالحكمة، فهو من دوحة وارفة الظلال، طيبة الأغصان، إسلاماً وإيماناً واعتقاداً وقولاً وعملاً.
وإن دل مثل هذا القول على شيءٍ فإنما يدل على أن الإيمان خالط بشاشة قلبه، فلا يرى أعظم منه في فؤاده، وهو الذي أرشد إليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله عز وجل، ومن يكره أن يعود في الكفر، بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار»، فمن كان بهذه المثابة سهُل عليه أن لا يبالي بحال ولا مال من أجل حماية الدين وبَيْضة المسلمين، كما كان من رعيل الإسلام الأول، الذين كان أحدهم يُصاب في نفسه فيحسُّ لذلك حلاوةً، ويرى أن تلك بغيته، فهذا عبدالله بن رواحة، رضي الله عنه، لم تهن عليه نفسه حين قال في بعض مواقفه:
هل أنت إلا أصبعٌ دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ!
ولكنه استرخصها، كما قال خُبيب رضي الله عنه:
ولستُ أبالي حين أُقتل مسلما على أي جنبٍ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأْ يُبارك على أوصال شِلوٍ مُمَزَّعِ
إن التضحية بالنفس من أجل الدين ليس معناها ما قد يفهمه الغُر المجاهيل من إلقاء النفس للتهلكة، الذي نهى الله تعالى عنه، أو من قتل الأبرياء، أو شق عصا الطاعة، والخروج على الناس بحد السيف، الذي وصل إليه حال الأمة اليوم بفعل خوارج العصر، الذين أساؤوا للدين وللمسلمين أيَّما إساءة، فإنه لم تحدث فتنة في تأريخ الإسلام كما حدثت اليوم، فإن هذه الأفعال هي خروج عن تعاليم الدين وهديه وتشريعه، وهي حرب على الإسلام في المقام الأول، فها هم يفتكون بالمسلمين في كل مكان، ويعتدون على الآمنين في أوطانهم أو في أوطاننا، وكل ذلك خروج عن الدين وعن جماعة المسلمين.
إن التضحية بالنفس هي من أجلِ تصحيح صورة الإسلام التي شُوِّهت بمثل تلك الجرائم والبوائق المفزعة، التي رُمِي بها المسلمون بقوس واحدة، رموا بها من غير المسلمين الذين تربطهم بالمسلمين قواسم مشتركة في العيش، والمنافع المتبادلة، والتعاون على ما ينفع ودفع ما يضر، في ضوء المعاهدات الدولية العامة والخاصة، التي جعلها الإسلام من أوثق العهود في لزوم الحفاظ عليها وحمايتها، من قبل الناس أجمعين، فرداً فرداً، ودولة دولة.
ومثل هذه الأفعال لابد من استئصالها فكراً وواقعاً، وذلك يحتاج إلى جهد ومجاهدة بالمال والحال والقول والفعل، وهو ما تسعى إليه قيادتنا الرشيدة، التي قدمت برامج كثيرة، محلياً وعالمياً، وأسمعت صوت الإسلام الحق الشعوب والأمم والدول، حتى يزهق الباطل الذي دخل على الإسلام، ويذهب الجفاء الذي أتى به الحمْقاء والجهلاء، ويمكث الإسلام الحق في الأرض، حتى يأتي أمر الله والأمة المسلمة على ذلك.
فجزى الله هذه القيادة الإسلامية الحكيمة خير ما جزى حاكماً عن أمته وشعبه ورعيته.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .