5 دقائق
المرأة الحاضرة في المجمع
حظيت المرأة في مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي 23، المنعقد بالمدينة المنورة في الفترة من 28 إلى 31 نوفمبر، بنصيب كبير من أبحاث المؤتمر ونقاشه وقراراته، في موضوعات: تزويج الصغيرات، وأثر عقد الزوجية على ملكية الزوجين، ومسألة خفاضها، وقد كان بحث هذه المسائل وغيرها مع حضور المرأة شخصياً في البحث والطرح والنقاش وصياغة القرارات، وهذا يعتبر تحولاً كبيراً في نمط مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وهذه مسائل وإن كانت ذات تأصيل صريح في فقهنا الإسلامي، إلا أن كثرة التشويش فيها على الفقهاء استدعت إعادة طرحها ونقاشها مع مقتضيات العصر وروح التجديد.
وقد كثر الكلام جداً في موضوع المرأة، فمن متباكٍ عليها، ومتهم للفقهاء بالجمود على المنقولات، ومنفلتٍ في تيار العلمانية الذي لا يعرف الحدود ولا الضوابط، فامتهان المرأة لم تعرف المرأة مثله في تاريخ إنسانيتها.
وقد تأخر المجمع في بحث هذه المسائل، مع سبقه لمسائل أخرى كثيرة في موضوع المرأة، وذلك اتكال منه على ما جرى به العمل في التقنين الوضعي الذي استند كثيراً على الفقه الإسلامي الموروث، وبعض قوانينه كانت في معزل عن الفقه.
إن المرأة التي ظلمت في تزويجها صغيرة في نظر الحداثة المعاصرة، لم يُنظر إليها في العالم الآخر وهي تمتهن غاية الامتهان في الدعاية والبغاء والعري والكد الشاق، حيث صور كل ذلك على أنه حرية للمرأة، حتى خدعت به فألِفته وانخرطت فيه، ولم تشعر باستغلال أخيها الرجل لضعفها وحاجتها، والإسلام قد كرَّمها غاية التكريم، حيث جعل تزويجها بيد وليها عند وجود مصلحة ظاهرة لها، مع مراعاة سنها وكفاءة المتقدم إليها، وشرط الحفاظ عليها وعشرتها بالمعروف، لا أن تكون سلعة تباع وتشترى من غير نظر لتبعات المسؤولية الأسرية الكاملة، فلم يبح استغلالها كما يراد لها في النظر العلماني الانتهازي المستغل. والصغر المشهَّر به على الإسلام ليس صغراً مطلقاً، بل هو صغر مقرون بضوابط شرعية ترفع الاستغلال السيئ الذي يوجد في العالم الآخر، أو عند بعض ضعفاء النفوس، أو فاقدي الفقه والثقافة الإسلامية المستنيرة، ومع ذلك فقد وجدت قوانين نافذة، تمنع الاستغلال السيئ إن وجد، والمجمع يؤكد بتشريعاته الجديدة النظرة الفقهية المقاصدية للزواج وآثاره الإيجابية الهادفة لتكوين مجتمع سام برقيه وتماسكه وقيمه العظيمة، فأكد على وجوب بلوغها ورشدها ورضاها، ووجوب مراعاة وليها لمصلحتها الحاضرة والمستقبلية، وإلا نزعت منه الولاية.
وموضوع مشاركتها زوجها في ماله عند الطلاق أو الوفاة، هو في الحقيقة تجن على الرجل الذي أنفق كثيراً في الزواج وفي البيت، وكون الأسرة ورعاها، وأعطاها عصارة حياته، فكانت ملكة طاعمة كاسية، ومع ذلك أعطاها الإسلام حقوقاً كثيرة بعد طلاقها أو عند وفاة زوجها، قد تكون أكثر حظاً من الورثة الآخرين، فمشاركتها بعد ذلك لمال زوجها هو ظلم وعدوان أثيم، والإسلام حرّم الظلم بجميع صوره، وقد أعطاها من الحق مثل الذي عليها من الواجب، فمجاراة غير المسلمين في مطالب داحضة ينأى الإسلام عنها لأنه قام على مبدأ إقامة الوزن بالقسط، عدالة وإنصافاً وحفظاً لحقوق جميع الأطراف، لذلك كان المجمع واضحاً في منع المطالب الظالمة، مع تشديده على بذل ما تستحقه من حقوق مقررة عند مشاركتها زوجها في الكسب، أو ما يجب لها عليه من حقوق بحكم الميثاق الغليظ بينهما.
وموضوع خفاضها الوارد في شريعتنا الغراء، وبعض الشرائع القديمة والمعاصرة، يختلف عن الختان الذي يُجرى للابن عند ولادته أو إطاقته، ويختلف كلياً عما تفعله بعض القوميات بحكم الموروث الثقافي، فهو تهذيب لها عند وجود الحاجة لذلك، وهو دائر بين الاستحباب والإباحة عند وجود المقتضي له، وليس على كل النساء، ولا بكيفية جاهلية جرت بها بعض الأعراف، فإن ذلك ينكره الإسلام ويحرمه، قديماً وحديثاً، فالمناداة بمنعه إطلاقاً هي في الحقيقة مصادرة لحقها عندما تكون محتاجة إليه، وقد يكون المنع سبباً لفعله خارج الأطر الصحية المضمونة، فيؤدي إلى آثار عكسية.
وللحديث عن دورة المجمع هذه بقية قد تلحق في أعداد آتية.. وبالله التوفيق
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .