5 دقائق
«السوشيال ميديا» لم تأتِ بجديد
تختار صديقك على أساس شخصيته وأخلاقه وتربيته ووفائه ومعدنه وقت الأزمات، ثم تأتي المرحلة الثانية وتسمى الانتقاء، وهي أن تختار من بين جملة أصدقاء من يشاركك الشغف والاهتمام. قد يكون صديقك أقرب إليك من شقيقك، أنت لا تحدّد ذلك بل شغفك الذي يفعل ذلك.
فلنفترض، أن لديك شقيقاً يهتم برياضة سيارات الفورمولا، وأنت تهتم بتربية الطيور، فلن تستطيع التلاقي معه على أرض مشتركة سوى الزيارات العائلية، أو فتاة تهتم بالأزياء وأخرى اهتمامها بالهندسة فلن تلتقيا أبداً. المهتم بالسيارات سيجد شركاءه في الاهتمام، والشغوف بالطيور سيجد من يبادلونه الشغف، والشيء نفسه ينطبق على المثالين الآخرين.
أصحاب الهوايات والاهتمامات المشتركة يتلاقون بصفة دورية، وعندما يتحدثون لشخص لا يشاركهم فيها فإنهم بالنسبة إليه يتحدثون بلغة غير مفهومة، فأنا إذا جلست وسط مجموعة تتحدث عن السيارات لا أفهم كلمة واحدة من المصطلحات الإنجليزية المعربة، ولديّ صديق يهتم بالتقنية أفضل أن أوجه أسئلتي إليه لأنه بالنسبة لي أفضل بألف مرة من «غوغل» بسبب تبسيطه الشرح لي.
الاهتمامات والشغف متنوّعة بتنوّع شخصياتنا وألسنتنا كبشر، فمن العرب من يتخصص في علوم لغته، والعرب هم الوحيدون المهتمون بعلم الأنساب، بعكس شعوب وعرقيات أخرى لديها اهتماماتها ومفاهيمها وتفسيراتها الخاصة بأمور الحياة.
لو افترضنا مثلاً أنك جالس في مقهى، وأمامك صحيفة قرأت فيها عن موعد لمباراة مهمة وأنت غير مهتم بالرياضة، وخلفك مجموعة شباب من المهتمين باللعبة وسأل أحدهم عن موعد المباراة ولم يجبه أحد من مجموعته، فإنك بطبيعتك ستلتفت إليه لتخبره بموعدها أو ستناوله الصحيفة.
دخولنا في عصر «السوشيال ميديا» لم يغير من تلك العادات والسلوكيات شيئاً، فنحن بمجرد فتح حساب لنا في منصة معينة نبدأ بالبحث عن أصحاب الاهتمامات المشتركة ونتبعهم، ليس هناك ضوابط ولا حدود، أنت تتابع أميركياً وهو يتابع أسترالياً، ولو كان حسابك باللغة الإنجليزية فإنك ستجذب اهتمام البريطاني وحتى الفرنسي، لأن الشغف يكسر كل الحواجز.
ولو وجدت شيئاً أعجبك فإنك بالتأكيد ستشارك Share مع غيرك من دائرة المهتمين نفسها followers، والجميع سيبدي إعجابه like بالمشاركة ويبدي رأيه comment فيها، ولن يتردد في إبلاغ mention شخص عن تلك المشاركة لو كان من المهتمين، لكنه ليس بالضرورة متابعاً.
«السوشيال ميديا» مصنوعة مما يسمى algorithms، وهو العامل الذي يحدّد الحسابات المشابهة ويقترحها علينا ويستبعد ما لا يثير اهتمامنا، وهو ترجمة للعامل البشري المذكور في الفقرة الأولى أي الانتقائية، وهو العامل نفسه الذي يسبب رعباً للناس ويمكن صناع المنصة من التطفل على خيارات الشخص بتتبع نمط سلوكيات المستخدم.
بالعربي: البشر مخلوقات اجتماعية مجبولة على غريزة التواصل، فهي حاجة نفسية ملحة ليشعر الشخص بمتعة المشاركة وإبداء الرأي وتحديد انتسابه بحكم ما يحب، وتالياً الحصول على الدعم المنشود أو الموافقة الفكرية أو الحب أو الصداقة. قبل «السوشيال ميديا» أو بعدها، فإننا نفعل الشيء نفسه.
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .