5 دقائق
مسيرة التسامح
ستظل دولة الإمارات تحمل راية التسامح خفاقة كعلمها السامق الخفاق في سماء الإنجازات الرائعة والحضارة الراقية؛ لأنها دولة قامت وستظل إن شاء الله تعالى تحمل المعاني الإسلامية والإنسانية، كما كانت عند نشأتها وفي حاضر يومها وغدها، وتخبر القاصي قبل الداني أن هذا هو منهج الإسلام الذي هو دين الدولة ومنهج حياتها، وهو منهج نبيها المصطفى المختار عليه الصلاة والسلام، الذي قال: «بعثت بالحنيفية السمحة»، وقال «أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة»، فهي تترجم بسلوكها هذا المنهج العظيم الذي يجعل التعايش بين البشر سبباً للرُّقي الحضاري، ويحقق السِّلم الاجتماعي الذي جاء به الإسلام في أحرفه الأولى، ولما قامت الدولة على هذا الأساس تحقق لها هذا الازدهار المنقطع النظير، وسبقت أمماً كثيرة كان لها سبق النشأة، ولكنها تأخرت بسبب بعدها عن مبدأ السماحة الدينية والإنسانية والعِرْقية.
إن السماحة في الإسلام تعني التعارف الذي جعله الله تعالى من غايات خلق البشر، وتعني التعايش في الوطن الذي به تصلح الدنيا ويستقيم به الدين، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عند أول لبِنة وضعها لإقامة صرح الدولة الإسلامية، وتعني التواصل الحضاري بين البشر الذي به تستقيم الحياة ويحصل به التكامل المدني، فالإنسان مدني بطبعه، يحتاج إلى غيره كما يحتاج غيره إليه على حد سواء، وتعني التبادل التجاري والمعرفي الَّلذين بهما قوام الحياة، وتعني قبل ذلك وبعده الأمن والأمان والسِّلم والسلام الذي هو جوهر الإسلام، ومن دون هذه المعاني لا تستقيم الحياة؛ لأن السماحة تعمر الدين للملك الديان سبحانه، وتعمر الأرض التي استخلف فيها الإنسان لعمارتها واستخراج مكنوناتها، والاستفادة مما سخره الله تعالى فيها، والدليل على ذلك ما نراه من استقامة الدين والدنيا للمسلم في البلدان التي جعلت التسامح منهجاً لحياتها، فعايشت كل الأطياف، وعمل الكل لمصلحتها، بعكس ما يُرى من تفان ودمار وتهارج في البلدان الأخرى، فلم يستقم لها دين ولا دنيا..
لقد برهنت دولة الإمارات العربية المتحدة على أن تمسكها بالإسلام لم يزدها إلا تطوراً وحضارة ورُقياً بين الأمم، لأنه هو الذي دعا إلى التسامح والتعاون، فجعلته جزءاً من تكوينها، فأخلص لها البعيد والغريب قبل القريب؛ لأنه وجد الأمن على نفسه وماله فلم يُرزأ فيهما بشيء، فعمل واستثمر واستقر وانساق للنظام والقانون كما ينساق لمصالحه التي يسعى جاهداً لها، ووجد العدالة لا تفرق بينه وبين أبناء الوطن وطبقاته المختلفة، فإن شعر بأنه بُخس حقه اطمأن لعدالة يؤخذ فيها الحق من القوي ويؤطر عليه أطراً. وفي المقابل يجد المواطن أن له إخوة يعينونه على هذه الحياة، فلا يضِن بحال ولا مال معهم، فيقاسمهم المصالح، ويسعد معهم كما يسعد مع أبنائه وإخوانه، فتحققت له السعادة التي ينشدها لنفسه وينشدها شيوخه له قبله، ولما تحققت هذه السماحة في الدولة وجدنا آثارها يانعة في الدين قبل الدنيا؛ فها هم الناس يدخلون في هذا الدين أفواجاً كل يوم في البيوت والمؤسسات الرسمية والاجتماعية، لإدراكهم أن هذا الدين هو دين الإنسانية الذي لا يفرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى، والذي يجعل المسلمين سواسية في الحقوق والواجبات كأسنان المشط، فلا يجدون فيه التمايز العرقي الذي يفرق بين الأسود والأبيض، ولا الكهنوتي الذي يميز بين الرهبان والعوام، ولا الطبقي الذي يميز بين الرئيس والمرؤوس، فالكل سواسية في مفهومه، فهم جميعاً يصلون صلاة واحدة غير مختلفة في الشروط والأركان والواجبات، والكل يزكي ماله كما أوجب الله تعالى عند توافر شروطها وحلول وقتها، والكل يصوم ويحج ويفعل الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. هكذا هو الإسلام السمح، الذي ساوى بين الناس في الحقوق والواجبات، فكان سبباً لمحبة الناس وإقبالهم عليه..
وها هي المسيرة الجماهيرية المعبّرة التي يقودها اليوم وزير التسامح سمو الشيخ نهيان بن مبارك، حفظه الله، وهي مسيرة تعبيرية عن مدى حاجة الناس إلى هذا المفهوم السمح التعايشي البناء؛ لتقول للناس إن التسامح منهج أصيل لدى القيادة والشعب على حد سواء..
بارك الله المسيرة والمسيِّر، وأدام عز هذا الوطن، وحفظ ساسته الأوفياء.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .