الحسد والوسواس القهري
أكثر مرضين نفسيين اجتماعيين منتشرين في مجتمعاتنا العربية هما: الخوف من الحسد والوسواس القهري. لا يوجد أي مرض منتشر كما هذان المرضان. وهما متداخلان إلى درجة أن كل واحد منهما يؤدي إلى الآخر. ولو أردت فصلهما ستتفاجأ بأنك غير قادر من شدة تداخلهما في عقول البشر.
يقال لك لا تتحدث علناً عن شيء تنوي فعله كشراء سيارة حتى لا تصاب بالعين، حتى لو كان الغرض استشارة كي لا تحسد! وإذا اشتريت السيارة وتعرضت لحادث يقال لك إنها العين! السؤال: هل تسبب الحسد في الحادث أم خطأ بشري يحدث كل يوم في أي مكان بالعالم؟!
هؤلاء يعللون خوفهم بالحديث الشريف: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود» والمقصود بالحديث أن لا يتفاخر أحد بالنعمة لمجرد إخبار الناس بما عنده. أما كتمان أمر حتى لمجرد الاستشارة فيقع في خانة الخوف من الحسد.
نشأت ثقافة رعب وفزع من المرض، لدرجة انتشار ظاهرة أشخاص يضعون صور عائلاتهم في «السوشيال ميديا» دون إظهار الأعين أو الوجوه، كي لا يصابوا بالحسد!
المرض الثاني وهو الوسواس القهري المرتبط بالحسد وغيره، فهناك أشخاص تراهم ينعزلون عن المجتمع بسبب الخوف من الحسد، أو شخص يخفي إنجازاته ولا يرغب في التحدث عنها خشية الإصابة بالعين. أو فتاة لا تعلن عن حملها بسبب الرعب من الحسد، لكنها تشتري منتجات نسائية فاخرة أمام الجميع، فالحسد قد يفسد الحمل، لكنه لن يمنعها من الظهور بأبهى حلة!
أشخاص ينصحوننا بألا نبرز مظاهر النعمة علينا من ملبس، ونراهم أنيقين جداً في الأعياد والمناسبات! هل يأخذ الحسد إجازة في الأعياد؟
أفعال الخائفين من الحسد تناقض نفسها، بسبب عدم التمييز بين الحسد والخوف منه، فالأول حق وهو موجود، والثاني مجرد وسواس. والثاني حالة نفسية تتشكل نتيجة الخوف من الحسد أو أي أمر آخر، كالخوف من دخول المستشفيات خشية التقاط فيروسات، وتفضيل العلاج في البيت وغالباً يتفاقم المرض! أو الذهاب لغسل اليد فوراً بمجرد مصافحة شخص أو لمس شيء يشتبه في كونه غير نظيف، أو لبس كمامة في الأماكن العامة والسياحية، رغم علم الشخص أنه في مناطق غير موبوءة.
الوسواس يصل إلى درجة غير معقولة، مثل ذلك الشخص الذي شعر بلسعة حادة في صدره، فظن أنه سيصاب بنوبة قلبية وخضع لفحوص ليتبين أنها مجرد نقص فيتامين! وإن وصل الوسواس إلى مرحلة متقدمة يفقد الشخص فيها عقله ويصاب بالجنون.
أعرف شخصاً ذهب إلى راقٍ شرعي، لشعوره بألم في أسفل الظهر وقيل له إن ذلك من أعراض الحسد. وعندما نصحته بالذهاب إلى طبيب، تبين من التشخيص أنه يجلس ساعات طويلة على كرسي مكتبه في وضعية خاطئة.
بالعربي: العين حق والحسد موجود ومذكور في مواضع عدة من القرآن والسنة النبوية، لكن علاجه أيضاً موجود في هذين المصدرين التشريعيين، فلماذا اخترنا الخوف من الحسد والعيش في ثقافة خزعبلات، وتركنا الوقاية والعلاج بتحصين أنفسنا كما علمنا الرسول الكريم؟ لأننا نؤمن بالخوف من الحسد أكثر من التوكل على الله وهو خير الحافظين!
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
هناك أشخاص ينعزلون عن المجتمع بسبب الخوف من الحسد.