لماذا الخطب التحفيزية قد تدمر حياتك؟
«فكرت طويلاً في أمر الإنسان فوجدته يتطلع إلى تقطيع وثاقه وتوسيع نطاقه، ويتشوق إلى كشف أشياء جديدة واختراق آفاق بعيدة، ثم هو بعد ذلك تدفعه قوة باطنة الى أن يكتفي بوجود محدود، ويقتفي آثار العادة غير ملتفت إلى ما يوجد عن يمينه أو عن شماله». غوته.
تصدح الخطب التحفيزية في كل أرجاء العالم بكلمات حماسية تثير العاطفة وتلهب القلوب بشكل آسر، والجمهور يصفق فرحاً متطلعاً إلى مستقبل مشرق ينير حياته، لكن ما إن تنقضي الليلة بأحلام سرمدية حتى يستيقظ ذلك البائس صباحاً ليعاود حياته كأن لم يكن شيء. حسناً، لنذكر هنا بعض الأرقام الصادمة: تقاضى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما 10 ملايين درهم نظير إلقائه خطبة استغرقت ساعة فقط على جمهور غفير في ميلان! فكم من الجمهور قد تغيرت حياته للأفضل بسبب ذلك الخطاب؟ هناك أكثر من 3000 خطيب محفز مسجلين في الولايات المتحدة وحدها، و2000 آخرون مسجلون في أوروبا، على الجانب الآخر ورغم ازدياد عدد الخطب بشكل جنوني فإننا نرى أن عدد الموظفين غير السعداء في عملهم حسب آخر الإحصاءات يتجاوز 2.5 مليار! كيف حدث ذلك، أو هل يعقل أنهم لم يستمعوا الى إحدى الخطب التحفيزية التي قد تغير حياتهم.. ربما للأسوأ؟
يسلط البروفيسور في علم النفس إدوارد هيغينز الضوء على نظرية التناقض الذاتي التي تقوم على فكرة أن الإنسان يحمل في ذاته ثلاثة أنواع من الأنا وهي كالتالي:
الأنا الحقيقية: هو ما أنت عليه بطبيعتك.
الأنا غير الراضية: هو ما تظن أنك تستحق أن تكونه.
الأنا المثالية: هو ما ترغب أو تطمح أن تكونه.
لنضرب مثالاً عن كيفية تشكل الإحباط بناء على نظرية التناقض الذاتي، لنفترض أنك في الأنا الحقيقية تعاني مشكلة الإسراف في الأموال، ولكنك في الأنا غير الراضية تظن أنك محافظ وذكي في التصرف بأموالك، وفي الأنا المثالية تطمح أن تكون مليونيراً سخياً، فهذا التعارض والتناقض الصارخ في نفسك سيولد لديك الشعور بالإحباط والحزن، فالخطب التحفيزية تخاطب فيك غالباً الأنا المثالية التي تفصلك عنها مساحة شاسعة، فتتوقد فيك الرغبة في التغيير الشامل لساعات معدودة ومن ثم تخمد هذه الرغبة سريعاً مع شعور معزز باليأس. يقدم لكم الفيلسوف اللان دو بوتون في كتابه الرائع «قلق السعي للمكانة»، وصفات ذهبية للتغلب على معضلة المثالية، أنصحكم بقراءته.
@Ahmed_almadloum
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
أختم بمقولة مارك توين حتى أبرئ الذمة: «التعميم خاطئ بما فيه هذه المقولة»، فليست كل الخطب التحفيزية محبطة لكن كن مستعداً لها.