خدمة الناس تتصدّر الوصايا..
الوصايا العشر للمسؤولين في الإدارة الحكومية، لم يضعها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، اعتباطاً في نهاية كتابه الجديد «قصتي»، وهي لم تكن مجرد خاتمة للكتاب، كما أنها ليست مفصولة عن بقية فصوله التي تحدث فيها سموه عن طفولته وحياته وتجربته الرائدة في الحكم والإدارة، بل هي خلاصة واقعية لخبرة خمسين عاماً، فالوصايا جاءت لتعكس ممارسات حقيقية لمسها سموه وشاهدها وكافحها وقضى على بعضها طوال السنوات الماضية، وهو يضعها اليوم ليستمر في تأكيدها والقضاء على سلبياتها للوصول إلى المرتبة الأولى التي يطمح إليها محمد بن راشد دائماً.
وصايا سموه هي في الواقع ممارسات واقعية لبعض المسؤولين، يفعلونها أحياناً بقصد الحفاظ على المنصب، ومن غير قصد أحياناً أخرى افتناناً بقوة المنصب واستغلالاً له، فسموه لم يأتِ بها من فراغ، ولم ينقلها من عوالم أخرى، بل رآها ولمسها خلال مسيرة خمسين عاماً قضاها في خدمة الوطن، تعامل خلالها مع عينات مختلفة من المسؤولين والبشر، ومع طبائع بشرية مختلفة، وصفات مختلفة، وإمكانات مختلفة، وعقليات مختلفة، لذا فالخلاصة هي مزيج من التعاملات والملاحظات لتصرفات كل هذه العينات والعقليات!
لم يبدأ سموه وصاياه بـ«اخدم الناس» إلا وهو متأكد من أن هناك مسؤولين لا يتقنون فن خدمة الناس، أو أنهم وضعوا أولويات مختلفة ليس من ضمنها خدمة الناس بإخلاص وبمساواة ومن دون محاباة.
وعندما يطلب سموه من المسؤولين الحكوميين بشكل عام، ألا «يعبدوا الكراسي»، فهو يدرك أن هناك من يتمسكون بها بدرجة كبيرة ومفزعة، وأنهم يفعلون المستحيل لبقائهم على هذه الكراسي، دون أن يعطوها حقها، ولم تأتِ هذه الوصية في المرتبة الثانية اعتباطاً، بل لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوصية الأولى، حيث إن أبسط حقوق الكرسي لمن أراد البقاء فيه هو خدمة الناس، وكلما اجتهد المسؤول في خدمة الناس وهي الوصية الأولى، فإنه سيظل محافظاً على كرسيه دون أن يتمسك به أو يعبده!
بالتأكيد هناك مسؤولون مميزون، ومخلصون، ومنتجون، لهؤلاء أيضاً وصايا ضمن الوصايا العشر، فللمحافظ على التميز والنجاح لابد من مراقبة النفس، وصنع فريق العمل، والابتكار، والعمل بتفاؤل، والتواصل بشكل أفضل مع الناس والإعلام والمجتمع، ولابد من صنع القادة، فالقائد المتميز هو الذي يصنع قادة متميزين، وفي ختام هذا كله لابد لكل متميز وناجح ومخلص أن ينطلق لبناء الحياة، وأن يسهم في تحسين وتسهيل حياة الناس، لذلك على كل مسؤول أن يقيّم نفسه، وأن يحلل شخصيته، ويضع هذه الوصايا مجتمعة نصب عينيه، فيحاول إجادتها وتطبيقها بدرجات إتقان عالية ليصل إلى الوصية الأولى، وهي خدمة الناس بإخلاص وتميز!
reyami@emaratalyoum.com
twitter@samialreyami
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.