«مومو»
ربما سمع معظمنا بتحدي «مومو» على أنه لعبة أو تطبيق عبر «واتس آب»، يسيطر على تفكير الأطفال، ويدفعهم لإيذاء أنفسهم أو المقربين منهم، ثم الانتحار، وقد قمت ببحث على الإنترنت، فوجدت أن العديد من القنوات الإخبارية العالمية والصحف قد كذّبت الخبر، حيث إن «مومو» ليست سوى كذبة صدّقها الكثيرون، وقد أسهم في سرعة انتشار الموضوع ــ كالعادة ــ شبكات التواصل الاجتماعي، والمسارعة إلى نشر أخبار دون التحقق منها، فقناتا «بي بي سي» و«سي إن إن» نشرتا على موقعيهما تكذيباً للخبر في الأول من مارس 2019، وكذلك صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت مقالاً في الثاني من مارس 2019 بعنوان «مومو حقيقية بقدر ما نجعلها كذلك». وسواء أكانت «مومو» حقيقية أم لا، يبقى السؤال المهم والخطر: ما الذي يجعل الأبناء يخفون تهديداً كبيراً على حياتهم أو مشكلة خطرة دون أن يخبروا أهلهم، مثلما حدث في لعبة الحوت الأزرق؟
كيف لا يكون الأهل قريبين من أبنائهم لهذه الدرجة؟ وكيف تحدث تلك الفجوة العميقة فيكتشف الأهل فجأة أنهم فقدوا ابنهم، سواء بسبب لعبة أو إدمان أو أي طريق من طرق الهلاك التي تزداد يوماً بعد يوم؟ لا شك في أن قدرة الأهل على التحكم في تصرفات أبنائهم أو توجيههم لم تعد بالقدر نفسه الذي كانت عليه في الماضي، وذلك لأسباب عدة، منها بالطبع الموبايل والإنترنت، إضافة إلى عامل مهم جداً، وهو غياب أو ضعف الوازع الديني والروحي، وحتى البعض ممن يهتمون بتقوية الوازع الديني، في الغالب يقتصر الموضوع عندهم على نواحي العبادات فقط، دون الاهتمام الكافي بمحور العقيدة، والعمل بتعاليم الدين، وليس فقط التحدث عنها.
توجد فجوة سحيقة وكارثة حقيقية، وهي غياب التربية النفسية والروحية والدينية المعتدلة، التي تتفهم احتياجات الأجيال الناشئة، وتستوعب معطيات العصر، فلايزال الكثير من أئمة المساجد في صلاة الجمعة يرددون التعبيرات ذاتها التي حفظها الجميع، ولايزال التركيز على فن الخطابة دون الاهتمام الحقيقي بالمحتوى، ولايزال يتردد كل يوم تعبير تجديد الخطاب الديني، وسد الفجوة التعليمية والتوعوية لدى أطفالنا، دون إحراز تقدم ولو بمليميتر.
إن الاهتمام بالجانب النفسي والروحي، ومتابعة أبنائنا، من أهم وأعظم المهام وأقدسها، ولا ننكر أهمية الجانب المادي، ولكن لابد من التوازن والتكامل، ولابد من إشعار أبنائنا بحبنا لهم، واهتمامنا الحقيقي بهم وبحياتهم، وذلك أهم من منحهم مصروفاً شهرياً أكبر مما يحصل عليه أقرانهم، أو الاهتمام فقط بالملبس والمأكل، فالنتيجة ستكون إنساناً حسن المظهر من الخارج، مهلهلاً وخاوياً من الداخل، من الصعب إصلاحه، ودائماً «الوقاية خير من العلاج».
توجد فجوة سحيقة وهي غياب التربية المعتدلة التي تتفهم احتياجات الأجيال الناشئة وتستوعب معطيات العصر.
@Alaa_Garad
Garad@alaagarad.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .