نظرية حرق السفينة
تنويه: هذا المقال ليس للجميع فالتعميم خاطئ.
«أيها الناس؛ أين المفرُّ؟! والبحر من ورائكم والعدوُّ من أمامكم»، عبارة تناقلتها الأجيال، ونسبت إلى قائد جيش المسلمين طارق بن زياد أثناء إلقائه خطبته الشهيرة على شواطئ شبه الجزيرة الايبيرية (إسبانيا اليوم)، في عام 711م أمام جيش متواضع العدد والعتاد مكون من 12 ألف جندي فقط، وذلك بعد أن أحرق جميع سفنهم! فلم يبقَ لهم أي طوق نجاة فلا تراجع اليوم كأنه كان يقول لهم. إما النصر ولا شيء غير النصر! وبالفعل فتحت الأندلس بعد أن توغل الجيش في عمق الأراضي الإسبانية وحقق طارق بن زياد مع جيشه نصراً مظفراً في معركة وادي لكة ايذاناً ببدء عصر ذهبي جديد للمسلمين.
قد يشكك البعض في مدى صحة هذه القصة التي ذكرتها، خصوصاً مسألة الخطبة الشهيرة وحرق السفن، لكن ذلك لا يهم الأن فقد تكون غير صحيحة، ولكن الشيء الذي استرعى انتباهي في هذه القصة هو كيف تبدلت سيكولوجية الجيش عندما لم يبقَ لهم أي خيار إلا الخوض في المعركة وتحقيق النصر فيها، كيف يفكر الإنسان عندما تتلاشى جميع الخيارات أمامه؟ ذلك هو سبب كتابتي لهذا المقال.
على مر العصور برع الإنسان في تكوين عادات وطقوس يومية يمارسها لوحده أو مع غيره. البعض منها جيد وبعضنا الآخر سيّئ، وكما قال المفكر ميخائيل نعيمة ذات مرة «البشر تصرعهم عاداتهم من حيث يدرون ولا يدرون»، لكن عندما تجعلك العادة تركن إلى مصدر راحة (سفينة) تطفئ تلك الطاقة البشرية المتوهجة فيك، وتقتل جميع الإمكانات الهائلة التي ولدت معك عندما قدمت إلى هذه الأرض، فتلك مصيبة عظمى، عندها تغدو العادة كالسجن الذي وضعت نفسك طواعية بين جدرانه، وبالمثال يتضح المقال، قد تكون هذه العادة هي وظيفة مريحة ذات راتب جيد وعمل قليل يوفر لك أساسيات الحياة الكريمة لكنها لا ترقى إلى تطلعاتك المستقبلية، وفي الوقت نفسه أنت لا تريد التخلي عنها، لأن الوظيفة أصبحت عادة أو بعبارة أخرى ((back up plan تحميك من تقلبات الزمن ولكنها تمنعك من التقدم أيضاً! إذن ما الحل؟
احرق سفينتك حتى تبحر! والمقصود بالسفينة هنا هو مصدر الكسل والخمول الذي جعلك خائر القوى، والذي استنزف من روحك المتحررة حتى غدوت كالمومياء، يقول الفيلسوف الألماني نيتشه في هذا الصدد «سر حصاد الإثمار الأعظم والمتعة القصوى من الوجود هو العيش على نحو خطر! ابنوا مدنكم على منحدرات فيزوف»، لذلك أحرق مواضع الكسل فيك والعادات التي صرعتك حياً، ارمِ نفسك بين فكي القرش، وقم بإلغاء جميع الخطط البديلة حتى لا يكون أمامك خيار الا التقدم ولا شيء غيره، كما حدث في قصة طارق بن زياد وجيشه، فأغلب المخاوف التي لديك هي أوهام صنعتها بنفسك.
أخيراً احرق «سفينتك» حتى تبحر.
سأتناول في مقالي القادم بالتفصيل دور اللوزة الدماغية (Amygdala) في خلق خوف الإنسان من التغيير، والتفافه حول العادة، وما الذي اكتشفه علماء الأعصاب في هذا الشأن.
Ahmed_almadloum