5 دقائق
كيف يكون الاستعداد لرمضان
نستقبل شهر رمضان بعد أيام، إن شاء الله تعالى، لأنه موسم عظيم، والناس مذاهب في كيفية الاستعداد له، فمنهم من يريد حرث الدنيا، ومنهم من يريد حرث الآخرة، وقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلمنا الاستعداد له، فكان إذا دخل شهر رجب قال: «اللهم بارك لنا في رجب، وشعبان، وبلغنا رمضان»، فيدعو الله تعالى أن يبلغه رمضان، لينافس فيه بالخيرات، ويسابق فيه إلى مرضاة رب البريات، وكان للسلف الصالح منهج في استقباله والاستعداد له، فكانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يُتقبل منهم، وكان من دعائهم: «اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً»، لأنهم يعرفون ماذا يعني هذا الشهر العظيم، من أنه شهر ميّزه الله تعالى على سائر الشهور، لذلك كان عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، يقول: «سيد الشهور رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة».
نعم هو سيد الشهور، ولذلك اختصه الله تعالى بإنزال أشرف كتبه، القرآن الكريم، وبِعثة خير رسله وخاتمهم، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ولما كان فيه من تحقيق وعد الله تعالى لنبيه ودينه من النصر والتمكين، ولما فيه من الفضل الذي أعده الله تعالى لمن يحرث فيه حرث الآخرة، فيضاعف له في حرثه أضعافاً مضاعفة، لا يجدها في غيره، فلذلك يكون استعدادهم لإدراكه بما يكسبهم ذلك الفضل.
هذا هو منهج المسلم الحريص، الذي يبتغي وجه الله والدار الآخرة، والذي يعلم أن عمره أمانة في يده، وعليه أن يستغله في ما ينفعه للدار الآخرة التي هي الحياة الدائمة الباقية، والتي لا يسعد فيها إلا من زرع الزرع الطيب، الذي يثمر في الآخرة رضوان الله تعالى وسَعة جنته، كما يشير إلى ذلك قوله جل شأنه: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾، فلذلك يستعد المسلم لاستقبال هذا الشهر الكريم بنية صالحة، بأن يصومه ويقومه إيماناً واحتساباً، وأن يسابق فيه للخيرات، ويسارع فيه إلى مرضاة رب البريات، فإن هو أدركه، فإن هذه النية هي مطيته لتلك الأعمال، وسيُعان على ذلك بمجرد الإرادة الصالحة، كما تشير إليه الآية الكريمة: ﴿نزد له في حرثه﴾، فالحريص على نفع نفسه يجعل استعداده لاستقباله بهذا النمط من الاستعداد النافع، وبهذه الإرادة تكون معونة الله تعالى له من تكبيل الشياطين عن أن يغووه أو يفتنوه.
وغير الحريص تتشعب به الأهواء في الاستعداد غير النافع لدار المقامة، فمنهم من يستعد بملاذ المطعومات والمشروبات، ومنهم من يستعد له بالمسلسلات القاتلة للأوقات، السالبة للبركات، ومنهم من يستعد بغير ذلك مما لا يناسب وضع هذا الشهر الكريم، وإن كان من المباحات، وكل استعداد بغير ما خلقه الله لأجله يعتبر اشتغالاً عنه، ومن القواعد الشرعية أن «الاشتغال عن المقصود إعراض عن المقصود»، ومثل ذلك لا يليق بالعاقل الحكيم.
إن شهر رمضان هو الشهر الذي ميزه الله تعالى بخصائص عظيمة، لم يجعلها في الأشهر الحرم، حتى يتميز عنها، ويكون المسلم منافساً فيه لذاته، فلذلك ينبغي أن يهيئ نفسه ليكون فيه من الفائزين، ولا يرضى بأقل من ذلك، لأن الأقل في مضمار السباق يعتبر خسارة، وقد لا يستطيع تعويضها، فهو لا يضمن العود إلى مثله، ولا التوفيق الذي هو سبب الفوز، ومن هنا كان نبي الله، صلى الله عليه وسلم، يحث على استغلال مثل هذه الفرص المواتية، فيقول: «الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله»، أي من غير عمل، وقد أقام الله سنته لعباده أن الأجر مقابل العمل، إن كان من أهل العمل صحة وعافية، فإن كان فاقداً للصحة كان عمله بنيته الصالحة التي تبلغ العاجز مكان العامل.
اللهم سلمنا لرمضان وسلمه لنا وتقبله منا يا كريم.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.