فقه التراويح والقنوت
صلاة التراويح – القيام – هي شعار هذا الشهر العظيم المبارك، حيث لا تصلى إلا فيه، وخاصِّيَّتُها أنها تصلى جماعة تأسياً بالسنّة المأثورة من فعله، صلى الله عليه وسلم، وقوله، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، وإجماع الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، على مشروعية الجماعة فيها، واستحبابها استحباباً مؤكداً، فالتقليل من شأن هذه العبادة العظيمة هو جهل بالسنّة وعمل الأمة، وتثبيط للناس عن التنافس في الخير والمسابقة إليه، فلا ينبغي التعويل أو الالتفات لمثل ذلك.
فإذا عُرف أصلها إجمالاً، فينبغي معرفة فقه هذه الصلاة المباركة، وأول ذلك معرفة وقتها وعدد ركعاتها، وما يقرأ فيها، ومن فاته أداؤها جماعة، ومن أتى متأخراً عن بدئها أو قطع كمالها، وما يشرع فيها من القنوت... فإن معرفة ذلك هو الفقه الذي ينبغي معرفته ليكون المسلم مؤدياً لها عن علم وفهم.
أما وقتها فهو عقب صلاة العشاء كصلاة الوتر، حتى ولو جمع العشاء مع المغرب تقديماً، لعذر السفر أو المرض، فإن وقتها يدخل بعد عشائه، فله إن كان يصليها منفرداً أن يصلي التراويح بعد عِشائه ثم يوتر، وإن أخّر العشاء إلى نصف الليل مثلاً فيؤخر القيام والوتر إلى ذلك الوقت.
وأما عدد ركعاتها فإن المأثور فيها هو عشرون ركعة ثم الشفع والوتر، كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وبعض المالكية، وبعضهم حكى الإجماع عليه، لما رواه مالك عن يزيد بن رومان والبيهقي عن السائب بن يزيد من قيام الناس في زمان عمر - رضي الله تعالى عنه - بعشرين ركعة، وجمع عمرُ الناسَ على أُبَيِّ بن كعب، رضي الله تعالى عنه، على هذا العدد من الركعات، جمعاً مستمراً، فصلى بهم، ولم ينكر عليه أحد، فهذا هو عمل الصحابة والتابعين، وعمل الناس شرقاً وغرباً، واستمر إلى زماننا في سائر الأمصار.
إلا أننا نرى عمل كثير من الناس اليوم الاقتصار على ثماني ركعات ثم الشفع والوتر، والأمر في هذا واسع، فإن من أهل العلم من يرى العدد 36 ركعة، ومنهم من يراه 40 ركعة، ومنهم من يراه عشراً ويوتر بثلاث، وفي هذا سعة، فمن زاد فهو خير، وله سلف وأسوة، ومن اقتصر فلا حرج عليه، إلا أنه لا ينبغي حمل الناس على أن السنّة هي ثمان، وغيرها ليس بسنة، استدلالاً بحديث عائشة، رضي الله عنها، «ما كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.. إلخ»، فإنه ليس فيه دلالة على التراويح، إنما هو في قيامه، عليه الصلاة والسلام، الذي كان فرضاً عليه، وسنّة لأمته، أما الصلاة التي صلاها بالناس ثلاث ليال فلم يثبت فيها عدد، كما قال الحفاظ، ولو كان في الحديث دلالة لم يتجاوزه الأئمة ويجمعوا على خلافه؛ لأن الحديث صحيح.
أما ما يُقرأ في التراويح فينبغي أن يقرأ القرآنُ كله، كما فعل الصحابة، رضي الله عنهم، واجتمعوا عليه، وهذا من حكِم مشروعيته؛ فإن هذا الشهر هو شهر تنزل القرآن، فلا ينبغي أن يغفل الناس عن تلاوته في صلاتهم وفي غيرها، وإن كانت تصح بما تيسر من القرآن من قصار السور وغيرها.
وأما القنوت في الوتر ففيه خلاف مشهور، فإن الحنفية والحنابلة يرونه في الوتر السَّنَةَ كلها، ولا يراه المالكية، ويراه الشافعية وبعض المالكية في النصف الثاني من شهر رمضان، والأمر فيه سَعة؛ لأنه تضرع ودعاء، والصلاة كلها ثناء ودعاء، إلا أن الاقتصار فيه على الوارد وهو «اللهم اهدنا فيمن هديت».. إلخ، الوارد في حديث الحسن بن علي، رضي الله عنه، أو «اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد»... إلخ، الوارد في حديث عمر، رضي الله عنه، أو الجمع بينهما هو الأولى، أما التطويل الممل وترتيله كالقرآن والتباكي المتكلف فلا ينبغي، فإن من أهل العلم من يرى بطلان الصلاة بتطويل الاعتدال أو الدعاء بغير المأثور، والخروجُ من الخلاف مستحب عند الجميع، كما أن فيه مشقة على المصلين، والاقتصار على المأثور كاف وبركة، وهو يجمع خيري الدنيا والآخرة.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .