سخافة بلا حدود
انتشرت خلال الفترة الماضية الكثير من الفيديوهات لشباب إماراتيين في وسائل التواصل الاجتماعي، يقال ــ والله العالم ــ إنها فيديوهات كوميدية، بينما هي في الواقع لا تمت إلى الكوميديا والفكاهة لا من قريب ولا من بعيد، وتعتبر عقاباً لكل من تسول له نفسه مشاهدتها، وخسارة دقائق من حياته على لقطات أقل ما يقال عنها إنها مثيرة للغثيان.
- الكثير من البشر صاروا يطلبون الشهرة بأرخص وأسهل الطرق. |
شاب يضع في فمه مصاصة أطفال، يبتسم ويقفز متوهماً أنها خفة دم، وآخرون يرقصون ويقفزون ويصرخون فوق السيارات بضحكاتٍ صارخة، رافعين ثيابهم إلى مستوى الركبة، ينشرون الفيديو على أساس أنه سيحصل على جائزة الأوسكار، وآخر يهدر وقته ووقت غيره في تمثيل مشاهد يتصنع فيها الفكاهة وخفة الدم، بينما يستحق فعلياً جائزة ثقل الدم بلا حدود.
فاقد الشيء لا يعطيه، لذا لا تتوقع من شخص ثقيل الدم أن يتحول إلى كوميدي خفيف الدم، قادر على رسم البسمة على وجوه المشاهدين، وينطبق هذا على الممثلين والممثلات، وعلى الأشخاص العاديين في الحياة العامة، فالشخص الفكاهي والساخر يمكنه أن ينتزع الضحكة من المشاهد والقارئ بأبسط الطرق، ودون أي تكلف، أما البليد فلا تتوقع أن يكون قادراً على إضحاك أي شخص، وإن قام بتمثيل أعظم النصوص الكوميدية في العالم.
البحث عن الشهرة سمة من سمات هذا العصر، فالكثير من البشر صاروا يطلبون الشهرة بأرخص وأسهل الطرق، ولو كان ذلك عن طريق الحط من كرامتهم بأن يكونوا أضحوكة ومثالاً على السخافة وتردي الذوق العام، أو أن يجعلوا من أنفسهم مثاراً للشفقة على الحال التي أوصلوا أنفسهم إليها، بحثاً عن انتشار مقاطعهم الرخيصة.
الغريب جداً أن هؤلاء تتبناهم المؤسسات والجهات الخاصة، فتتم دعوتهم إلى المنتديات والمعارض والمناسبات الكبيرة، ولا عجب في أن تدفع أكبر الشركات مئات الألوف من الدراهم لتسوّق لفعالية أو منتج معين، بينما الفنان الحقيقي والمبدع يعاني أشد المعاناة من التجاهل، وعدم التقدير، بحجة أنه شخص لديه من المبادئ واحترام الذات ما يمنعه من أن يكون واحداً من مشاهير «النص كم». يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: «تغطي الشهرة على العيوب، كالشمس غطى نورها على نارها».
Emarat55@hotmail.com
Twitter: @almzoohi
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.