كـل يــوم
حتى لا يدخل المتقاعد السجن!
التقاعد عن العمل الحكومي هو سُنّة من سنن الحياة، لا مناص منه، سيأتي يوماً دون شك، مهما طالت سنوات الخدمة، أو عَلت المناصب، وهذا أمر طبيعي للغاية، ومُسلَّمٌ به، ولكن من غير الطبيعي أبداً أن يصبح التقاعد بداية لحياةٍ صعبة، بل ربما بداية لدخول السجن، بسبب أوضاع مالية فُجائية وجديدة لم يعهدها الموظف الحكومي من قبل!
هذا ما حدث فعلاً للعديد من المتقاعدين، بعضهم كان يشغل مناصب ليست بسيطة، وهناك حالات دخلت السجن فعلاً ودون مبالغة، لأنهم فوجئوا بالإحالة إلى التقاعد، وصدموا بالوضع المالي الجديد، الذي ينخفض إلى أقل من النصف في بعض الحالات، في حين أنهم ملتزمون بأقساطٍ شهرية عدة، لم يعتقدوا يوماً أنهم لن يستطيعوا تأديتها، فكانت النتيجة المحتومة بعد تراكم الديون.. دخول السجن، وهذا شيء مؤسف للغاية!
والاعتراض هُنا ليس على حق المؤسسات الحكومية في إحالة بعض موظفيها على التقاعد، فهذا أمر قانوني ومشروع، لكن الاعتراض على مفاجأة الموظف أو المدير بإحالته على التقاعد دون سابق إنذار، أو دون فرصة زمنية مناسبة، تجعله يُعيد ترتيب أوراقه والتزاماته بشكل يتناسب مع وضعه المالي الجديد.
جميع الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية لديها استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، والبعض لديه استراتيجية تصل إلى عام 2031، وهذا أمر جيد، وجميع الاستراتيجيات تحتوي على بنود خاصة بالتوطين وتوظيف المواطنين، وهذا أيضاً شيء ممتاز، لكن جميع الاستراتيجيات لا تحتوي على أي بنود أو أفكار أو حتى ملامح لتقاعد الموظفين، وفق جداول زمنية مربوطة بأعمارهم وإنتاجيتهم، والحاجة المستقبلية إليهم، على سبيل المثال، لذلك فلا أحد من موظفي الحكومة حالياً يمتلك أدنى فكرة عن توقيت الإدارة في التخلي عن خدماته وإحالته على التقاعد، وهذا أمر له تداعيات سلبية جداً على الموظفين!
لا أحد يؤمن بأنه مُعمرٍ في وظيفته، وجميعنا نتقبل فكرة التقاعد، لذا من الأجمل والأفضل والأكثر حضارية وإنسانية أن يُبلّغ الموظف قبل عام أو عامين أو ثلاثة أعوام أو حتى خمسة أعوام، بأنه موجود في كشوفات التقاعد خلال هذه الفترة، وعليه سيستطيع ترتيب أوضاعه المالية، وسيبتعد على سبيل المثال عن التورط في قروض بنكية جديدة، وسيعمل على إنهاء كل التزاماته قبل موعد التقاعد المحدد، ليعيش بعدها حياة هانئة لن تضطره إلى دخول السجن على أقل تقدير، فهل هذا أمر يصعب تطبيقه؟!
لا أعتقد أن هناك صعوبة في تطبيق هذا الأمر، إن كانت المؤسسات تمتلك فعلاً استراتيجيات فعالة وبرامج تخطيطية وافية، وتعمل بشكل علمي ومؤسسي مدروس، بل إن مثل هذا الأمر مفيد جداً للمؤسسة نفسها، حيث تستطيع تخطيط مواردها البشرية بشكل دقيق وفعال لفترات متوسطة وطويلة الأمد، فهل نشهد مستقبلاً إضافة خطط التقاعد إلى خطط التوظيف المستقبلية ضمن استراتيجيات المؤسسات؟ هذا ما نتمناه!
reyami@emaratalyoum.com
twitter@samialreyami
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.