واشنطن/ بكين/ 24
هيمنت الحرب التجارية والصناعية على العلاقات بين واشنطن، وهي القوة الأولى المهيمنة على العالم، وبكين القوة الآسيوية الأولى الصاعدة على المسرح الدولي.
لقراءة هذا الصعود المصاحب للحرب التجارية، فإن من الضروري تجاوز المشهد الاقتصادي والعسكري، رغم أهميتهما، والتركيز على استراتيجية بكين في إعادة هيكلة النظام العالمي وفق منظورها، التي تروج لها بأنها إعادة توزيع عادلة للأدوار والمكاسب.
بدأت العملية منذ 20 عاماً بالضبط، حينما شرعت الصين في 1999 بإدارة نقاش دولي حول إصلاح النظام الاقتصادي العالمي. كان ذلك ضمن إطار مجموعة العشرين، وكان السياق وقتها هو أزمة النمور الآسيوية عام 1997.
نجحت الصين بلعب الدور المركزي في المجموعة للتعبير عن مصالح الاقتصادات النامية، وتضمن ذلك النجاح الدور الصيني في تأسيس مجموعة بريكس، التي تضم الاقتصادات الناشئة الخمسة الأهم: الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل.
تلت ذلك التحول المبادرة الصينية الضخمة المعروفة باسم «الحزام والطريق»، التي تعزز الاعتماد المتبادل بين الاقتصاد الصيني وعدد كبير من الاقتصادات الأخرى الأصغر الموزعة على رقعة جغرافية تمتد إلى أوروبا وتغطي شرق وجنوب ووسط آسيا، بالإضافة إلى الشرق الأوسط وشمال وشرق القارة الإفريقية.
وفق المنظور الصيني، فإن المبادرة تهدف إلى خلق مصلحة واستقرار عالميين، حتى بالنسبة للقوى الأوروبية المتحالفة مع واشنطن. ولم تنسَ الصين أن تصاحب صعودها برسائل طمأنة بأن ذلك لا يهدف إلى تشكيل تهديد، بل مكاسب ليس فقط للدول الواقعة على طريق المبادرة لكن أيضاً للاقتصاد العالمي ككل. وهو ما يقوض صدقية النظرية الأميركية المشيطنة للصين.
هناك أيضاً مبادرات صينية أصغر تمثلت في تأسيس الصين لعدد من المؤسسات المالية والتنموية حول العالم، والتي تلعب دوراً محورياً في إدارة حركة التدفقات المالية العالمية وتدفقات الاستثمار وتمويل عمليات التنمية. وكل ذلك وفق فكر فلسفي مختلف عما جاء به الغرب بعد الحرب العالمية الثانية.
خلاصة القول أننا أمام تحول عميق في بنية و قواعد النظام العالمي، و يتعرض هذا التحول المصاحب لصعود الصين لمقاومة شرسة بسبب خوف العم سام من فقدان صدارته للعالم وهذا رد فعل بشري طبيعي جدا يحدث باستمرار ولو عدنا للتاريخ سنجد مئات القصص المشابهة.
بالعربي: بعيداً عن الاقتصاد، يعد المسلسل الأميركي الشهير «24» أول من توقع هذه الحرب التجارية بدقة، ففي حلقة بثت عام 2007، نجد منشقاً أميركياً عن واشنطن يقول: «خلال عقد من اليوم، ستتجاوز الصين هذه الدولة (أميركا) في كل شيء». قلنا وقتها إنها مبالغات وخيال جامح، لكن إعادة مشاهدة تلك الحلقات اليوم، بعد 12 عاماً، تثبت حقيقة أن هذا المسلسل سابق لزمانه، ويتمتع ببعد نظر سياسي لو تأملت فيه ستجده مخيفاً.
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .