5 دقائق

عقد التسريبات الدبلوماسية بامتياز!

عبدالله القمزي

لكل مجال في هذه الحياة نقطة محورية، تفصل بين حقبتين زمنيتين، لكل واحدة منهما خصائص ومميزات. كأن نقول حدث ذلك في أميركا ما قبل 11 سبتمبر، أو يستحيل حدوث ذلك في عالم تحكمه «السوشيال ميديا»، أو أميركا ما قبل ترامب. في الرياضة حقبة ما قبل تقنية الفيديو أو بعدها.

في عالم الدبلوماسية هناك حقبتان: ما قبل «ويكيليكس»، وما بعدها. فقد أحدثت ثورة الاتصالات في هذا العقد من القرن الحالي تغييرات جذرية في كل شيء بحياتنا.

«ويكيليكس» أو ما يعرف بـ«كيبل غيت»، هي تسرب مئات الآلاف من برقيات الدبلوماسيين الأميركيين إلى موقع ويكيليكس عام 2010. ما حدث يلقي بظلاله على كل التسريبات التي تحدث اليوم، وآخرها تسريبات السفير البريطاني السابق في واشنطن كيم داروك.

داروك اضطر إلى الاستقالة جراء ما حدث، ورغم وقوف لندن معه لكن الأمر محرج للغاية، خصوصاً أن الرجل رئيس بعثة بلاده في البلد المضيف، ولو تأملنا رد الرئيس دونالد ترامب سنجد أنه تم عبر «تويتر». وهنا لدينا صورة فريدة من نوعها هي نتيجة منطقية لعالم اليوم، لكن لو وضعناها في أي سياق سياسي سابق لعام 2010، لكانت شيئاً أغرب من الخيال!

أعلن ترامب قطع العلاقات مع داروك شخصياً. ما حدث غيَّر طريقة عمل الدبلوماسية الدولية وقوض الثقة بنظم الاتصالات بشكل عام، فكما أصبحت الشائعات جزءاً من حياتنا بسبب «السوشيال ميديا» وأصبحنا لا نثق بكل ما يخرج من هذا الاختراع، فإن الأمر مشابه عند الدبلوماسيين الذين اضطروا أحياناً لركوب الموجة، والانتقال من نظام البرقيات إلى عالم «واتس آب» والإيميل الشخصي المشفر خارج النظام الرسمي.

نضيف إلى ذلك انشقاق محلل «سي آي إيه» السابق، إدوارد سنودن، إلى روسيا بالتزامن مع كشفه أسرار المخابرات الأميركية، ثم التحقيقات مع ترامب في موضوع الصلات الروسية وأوراق بنما، ثم أخيراً الذروة في تسريبات داروك في صحيفة «ذا ميل أون ساندي» التي كشف التحقيق أنها حدثت بعمل فردي من قبل شخص داخل النظام. من الواضح أن ما يحدث نتيجة الثقافة الجديدة التي خلقتها ثورة الاتصالات في هذا العقد، لا نقول إن التسريبات لم تحدث في العصور السابقة، لكن حتماً لم تحدث بوتيرة اليوم نفسها! إذ إن حدوث تسريبات خمس مرات في عقد واحد، إنما هو دليل على وجوب عملية مراجعة كاملة لأسلوب التواصل في الدبلوماسية الدولية.

عند ظهور تهديد يقوض طريقة عملنا في أي مجال، فإن الحل الأمثل هو العودة إلى الأساسيات، وهذا بالضبط أحد الحلول المتداولة في أروقة الدبلوماسية الغربية، وهو عقد لقاءات وجهاً لوجه، لكشف التفاصيل الحساسة، خشية وقوع تسريب، وتالياً حماية أنفسهم.

بالعربي: «الكل يتفق في أنه رئيس عند كلمته، والرجل الوحيد الذي له اعتبار في هذه الإدارة، ولو أن لندن أرادت فعل أي شيء لمساعدة الرئيس، فإنه سيقدر ذلك جداً»، هذه برقية من ويليام تيريل، مسؤول بريطاني رفيع في وزارة الخارجية عام 1913، يصف بها الرئيس الأميركي وودرو ويلسون. وشتان بينها وبين وصف داروك للرئيس ترامب بعد 116 عاماً.

في عالم الدبلوماسية هناك حقبتان: ما قبل «ويكيليكس»، وما بعدها. فقد أحدثت ثورة الاتصالات تغييرات جذرية.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر