5 دقائق
الأضاحي والعيد
تفضَّل الله تعالى على عباده بهذه الأيام المباركة التي هي أفضل الأيام عند الله تعالى، ولفضلها كان العمل الصالح فيها أفضل من الأعمال الصالحة في سائر العام، كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر»، ولاسيما يوم عرفة، الذي قال فيه النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى أحد يوم عرفة في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا غفر الله له»، فقال رجل: ألأهل المعرَّف يا رسول الله، أم للناس عامة؟ قال: «بل للناس عامة»، وإذا كان الحجاج ينالون شرف الوقوف بعرفة، ويباهي بهم الرحمن ملائكته، وينصرفون مغفوراً لهم، فإن غيرهم ممن يصومونه «يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده».
ومن أجلِّ الأعمال الصالحة في هذه الأيام؛ إعداد الأضاحي التي هي سنة الخليلين أبي الأنبياء إبراهيم وخاتمهم سيدنا محمد، عليهما الصلاة والسلام، فإنها شعيرة هذه الأيام كما قال جل ذكره: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾، فكان من أجلِّ أعمال هذه العشر هو التقرب إليه سبحانه بما رزق عباده من بهيمة الأنعام، التي خلقها لهم لينتفعوا بها في منافع كثيرة، ركوباً وحمل أثقال وصوفاً ووبراً وزينة وأكلاً، وهو أجلُّها، حتى يتمتعوا في هذه الحياة، وتطيب أجسامهم، ويتمكنوا من القيام بمهام الاستخلاف في الأرض وعبادة الديان سبحانه، وقد جعل العباد كلهم في أيام الأضاحي في ضيافته سبحانه، بما سخر لهم من الأنعام، وأمرهم بالأكل منها وإطعام القانع والمعتر والبائس الفقير، ليكون الجميع سواءً في استشعار الغِبطة عند مولاهم سبحانه، ولذلك كان الندب النبوي لها أكيداً بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله عز وجل، من هِراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها و أظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله، عز وجل، بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً».
وقد كانت الأسوة فيها فعل الخليلين إبراهيم ومحمد، عليهما الصلاة والسلام، أما الخليل إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، فقد ضحى بأمر الله تعالى بولده وفلذة كبده الصدّيق النبي إسماعيل، عليه السلام، تقرباً إليه، وشكراً على ما أنعم به عليه من بناء بيته العتيق، فكان ذلك ابتلاءً عظيماً؛ ليَعلم العبادُ كيف تكون الاستجابة للحق سبحانه، وأنه سبحانه مع عباده الصادقين إذا نجحوا في الابتلاء والاختبار، كما كان مع إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، الذي وفّى، ففدى الله ولده الصادق الوعد بذِبح عظيم، فكان إبراهيم أول من سنّ الأضاحي.
وأما خليل الرحمن، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان يضحي كل سنة عن نفسه وأهل بيته، كما جاء من حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: «ضحى بكبشين أقرنين أملحين، يذبح ويكبر ويسمي ويضع رجله على صفحتهما»، وضحى عمّن لم يضحِّ من أمته، كما روى الحاكم من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم «ضحى بكبش فذبحه هو بنفسه وقال: بسم الله والله أكبر اللهم هذا عني وعن من لم يضحِّ من أمتي»، وذلك رحمة بهم، وحرصاً على أن ينالوا أجر الأضحية التي ينال المرء بها بكل شعرة حسنة، والتي تقع عند الله بمكان قبل أن تصل إلى الأرض، لأنه سبحانه إذا علم من عبده صدق النية بالتقرب إليه آجره قبل أن يفعل، كما يشير إلى ذلك قوله سبحانه: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾.
وكل هذا الفضل يكون في أيام الأضاحي، وهي يوم العيد وأيام التشريق بعده، لأنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى، فمن فاتته هذه الأيام فقد فاته هذا الفضل غير أنه لا إثم عليه.
نسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع صالح الأعمال، وكل عام والجميع بخير.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.