كيف غير شيرلوك هولمز عالم التحقيق الجنائي
الخيال هو واقع لم يتحقق بعد، ونجد ما يدعم صحة هذه المقولة في العديد من روايات الخيال العلمي، التي أضحت واقعاً ملموساً بعد سنين، وهذا الأمر أثار فضولي إلى البحث أكثر عن مدى تأثير قصص المحقق المشهور شيرلوك هولمز في عالم التحقيق الجنائي، وما يزيد الدهشة أن السير آرثر كونان دويل - مؤلف سلسلة قصص شيرلوك هولمز - كان يعمل طبيب عيون، وليس لديه أي خبرة في التحقيق الجنائي!
ففي عام 1887 صدرت روايته الأولى «دراسة في اللون القرمزي»، التي عدّها كثير من المحققين الكبار أول دليل عملي لعلم الأدلة الجنائية في التاريخ، وقد ذهب هنري سي لي، المحقق الجنائي الأشهر في الولايات المتحدة، والذي لقب بشيرلوك المعاصر إلى القول إن شيرلوك هولمز هو أبو علم الأدلة الجنائية!
قبل ذلك لم يكن هناك ما يعرف بدليل مادي مثل بقع الدم أو الشعر، فقد كانت القضية تغلق بناء على شهادة الشهود، أو اعتراف المتهم، وذاك الأخير غالباً ما يتم استخراج الاعتراف منه قسراً، لكن بعد قدوم شيرلوك تغيّر كل شيء؛ فقد أثبت للعالم بأن الدليل المادي والانتباه لأدق التفاصيل في مسرح الجريمة هو السبيل الوحيد للإيقاع بالمجرم، ومازال المحققون يعملون بمنطق شيرلوك في الاستنتاج إلى يومنا هذا، والذي ينص على «متى ما تم إقصاء غير المعقول لن تتبقى لدينا إلا الحقيقة»، فكان شيرلوك هو أول من استخدم العدسة المكبرة لفحص مسرح الجريمة والأدلة الجنائية عن كثب، وكان يمتلك أول مختبر جنائي في التاريخ قبل أن يحول إدموند لوكارد بعد 23 عاماً هذا الخيال إلى واقع في عام 1910. وكان شيرلوك هو أول من مهد الطريق لاختبارات الدم، حتى لا يحدث أي التباس لدى المحقق عند مشاهدة أي بقع حمراء أو بنية اللون، وبعد مرور 13 عاماً ابتكر البروفيسور أولان هوث - الذي كان معجباً بقصص شيرلوك هولمز - أول اختبار دم في عام 1900، كما كان شيرلوك أول من عمل على مضاهاة الطلقات النارية مع المسدس، وقياس المسافة التي أطلق النار منها، وقد استخدمت طريقته هذه للمرة الأولى بعد 40 عاماً في «مذبحة يوم القديس فالنتاين» المشهورة التي كان يقف خلف تدبيرها آل كابوني، أحد زعماء المافيا. كما أنقذ منطق شيرلوك في الاستنتاج كثيراً من المتهمين من براثن الظلم؛ مثل سام شيبيرد الذي اتهم بقتل زوجته مارلين رييس في عام 1954، وحكم عليه بالسجن المؤبد، لكن تمت تبرئته لاحقاً بعد أن عيّن محققاً خاصاً لفحص جميع الأدلة من جديد، وقد كان هذا الأخير مولعاً بقصص شيرلوك التي منحته الإلهام لتحليل بقع الدم المتناثرة على الجدار؛ على طريقة شيرلوك، وتوصل إلى أن مرتكب الجريمة كان أعسر، وسام شيبيرد لم يكن كذلك؛ فعلى ذلك تم استبعاده فوراً من دائرة الاتهام وتبرئته.
مازال كبار المحققين الجنائيين إلى اليوم يعملون بمنطق وأساليب التحري لشخصية خيالية مثل شيرلوك لتُعينهم في فك رموز جرائم شائكة، وهذا يدلنا على أهمية الأدب البوليسي البالغة، وترابط الخيال العلمي مع الواقع؛ لذلك أقترح أن تُدرج مادة الأدب البوليسي في المنهج الدراسي في أكاديميات الشرطة بالدولة، لما فيه من إثراء لخيال الطالب، ولا نعلم فقد يخرج لنا شيرلوك إماراتي في القريب العاجل!
آرثر كونان دويل كان هو شيرلوك هولمز نفسه بصورته الخفية، وفي الحقيقة لا أملك أي تفسير لسر عبقريته، وتأثيره البالغ في عالم التحقيق الجنائي، إلا أن أقول إنه سافر عبر الزمن إلى المستقبل، وسرق كل هذه الأفكار، وقدمها لعصره حتى ينال شرف التنبؤ بالمستقبل.
آرثر كونان كان هو شيرلوك هولمز نفسه بصورته الخفية، ولا أملك أي تفسير لسر عبقريته، وتأثيره في التحقيق الجنائي، إلا أن أقول إنه سافر عبر الزمن إلى المستقبل، وسرق كل هذه الأفكار وقدمها لعصره.
Ahmed_almadloum
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .