«المواطن الصحافي» مسموح.. و«المواطن الطبيب» ممنوع!
تقوم الدنيا ولا تقعد إذا اكتشفت الجهات المسؤولة في الدول العربية طبيباً لا يحمل شهادة طب، وكذلك الحال عند المهندس الذي لم يدرس الهندسة، لذلك لا يوجد عملياً مسمى «المواطن الطبيب» ولا «المواطن المهندس» في العالم بأسره، لكن العالم، خصوصاً العالم العربي، وبكل بساطة، يشهد اليوم انتشار ظاهرة «المواطن الصحافي» أو «المواطن الإعلامي»، وهو كل إنسان يحمل في يده هاتفاً متحركاً موصولاً بشبكة الإنترنت، ويمارس بكل حرية وبساطة مهنة الصحافي أو الإعلامي، فينتج الأخبار بعد أن كان ينقلها، ويلتقط الصور وينشرها، ويقوم بالتحليل والإنتاج، وكل ما يخطر على البال، بغض النظر عن المهنية، وعن صحة أو خطورة ما يقوم به، وبغض النظر عن الآثار السلبية المترتبة على ذلك!
التشديد على الطب لحماية صحة الناس، خصوصاً تسميم بطونهم وأجسامهم من مغبة وصفات طبية من مدّعي الطب، والخوف من انهيار المباني هو السبب في تشديد الإجراءات ضد أي مدّعٍ للهندسة، أما تسميم عقول الناس وأفكارهم، والعمل على انهيار الأخلاق والمبادئ، فلم يسعَ أحد حتى الآن إلى مكافحتهما وتشديد الإجراءات عليهما، الأمر الذي نتج عنه كوارث حقيقية نلمسها يومياً، ونشعر بها كل لحظة، والأدهى أن هذه الفوضى، و«صحافة المواطن» تسببت بعد أن تم توجيه ذلك المواطن البسيط، أو «استغفاله» بشكل مباشر، في تدمير مجتمعات، وانهيار حكومات ودول عربية أمام مرأى ومسمع الجميع، فأين تكمن الكارثة في «مغص» أم في «أخطاء معمارية»، أم في زعزعة استقرار دولة؟ هل هناك ما هو أخطر من ذلك؟!
اختلطت الأمور في بعضها بشكل خطير، فلم نعد نتحدث عن وسائل تواصل اجتماعي، بل تطور الأمر ليصبح العامة من الناس وسيلة ومصدر أخبار، ينقلون كل شيء بدعوى الحرية والسبق على وسائل الإعلام المهنية، والنتيجة كثرة الشائعات، وانتشار الكذب والتلفيق والأخبار الكاذبة والموجهة، ودخول المغرضين والمخربين لاقتناص الفرصة، ووصولهم في كثير من الأحيان إلى أهدافهم الخبيثة، وهي زعزعة الأمن والاستقرار، وتشويه سمعة دول وشخصيات عامة، ونزع ثقة الجماهير في الحكومات ووسائل الإعلام المهنية!
لابد من تنظيم، ولابد من إجراءات، والأمر واضح كل الوضوح، وسائل التواصل مفتوحة للجميع، ولن يطالب أحد بتقييد استخداماتها وفقاً للقوانين العامة، لكن من يُرِد ممارسة العمل الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي، عليه أن يحصل على ترخيص من الجهات المسؤولة، ولا أقصد ذلك المبلغ المالي نظير ممارسة الإعلان في وسائل التواصل، بل ترخيص لضمان أهلية الراغبين في ممارسة العمل الإعلامي والخبري، وبموجب هذا الترخيص يجب أن يكون الشخص مؤهلاً لصناعة وإنتاج الأخبار والمحتوى الصحافي، وبموجب هذا الترخيص يكون مسؤولاً مسؤولية تامة عن كل ما ينشر، وبموجب هذا الترخيص تمكن محاسبته في حالة الأخطاء الجسيمة، تماماً كما هي الحال في التعامل مع وسائل الإعلام الإلكترونية.
لابد من التنظيم، فهو جزء من الحل، بل هو أهم أجزاء الحل، وليس في ذلك صعوبة، فالأمر محصور عند فئة تجاوزت وسائل التواصل الاجتماعي وتسللت إلى مهنة عريقة ومنظمة وخطيرة، فما المانع من إعادة الأمور إلى نصابها حتى لا يصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .