ما بالنا مع الموتى!
«لماذا الآن بعد فوات الأوان؟»
جثة هامدة
كثيراً ما نسمع عن شخصيات قدّمت الكثير للبشرية من إنجازات في فترة حياتها، لكنها لم تنل التقدير والاعتراف العالمي لأعمالها إلا بعد أن واراها التراب أمثال الرسام الهولندي فان كوخ، ومخترع التلسكوب غاليلو غاليلي الذي لم يسلم من وابل الانتقادات والاتهامات التي واجهته بسبب نظرياته الفلكية التي كانت تعتبر مثيرة للجدل وقتها، والكاتب التشيكي فرانتز كافكا الذي طلب من أحد أصدقائه أن يحرق جميع كتبه، لو كان يعلم حينها فقط كم ستكون لهذه الكتب من قيمة أدبية رفيعة بعد مماته! ولا ننسى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الذي تنبأ بمصير فلسفته بعد موته، عندما ذكر في كتابه (هذا الإنسان) العبارة التالية: «إنني أعرف مصيري، ذات يوم سيرتبط اسمي بذكرى شيء مرعب، يرتبط بكارثة ليس لها مثيل تماماً»، ولكم أن تتخيلوا فرحة هتلر عندما تسلم المجموعة الكاملة لأعمال نيتشه من أحد أقرباء الفيلسوف الذي مهد الطريق لظهور ايديوليجيات مرعبة كالنازية والفاشية، ولا نستطيع أن نحمله وزر ذلك، فربما لم تفهم أفكاره كما ينبغي، وصدق نيتشه عندما قال في موضع آخر «هناك من الرجال من يولدون بعد الممات»، لذلك إذا أردت معرفة القيمة الحقيقية لفنان أو كاتب فانتظر حتى تحين ساعته، وكثيراً ما نسمع عن أناس فاقت شهرتهم حدود القارات، لكن بعد أن ماتوا وأصبحوا نسياً منسياً، فهم كما قال دوستويفسكي «تراب أثارته الريح، ذهبت الريح فسقط التراب»، فالبشر بشكل عام يميلون الى إضفاء هالة من القدسية على الموتى فيصبحون أكثر تعاطفاً وتسامحاً مع أفكارهم وطروحاتهم، وربما تمر أجيال كثيرة حتى ينالوا شرف هذا الاعتراف، لكن في النهاية سيجدون ما يستحقون.
وهذا الأمر بذاته يدعوني إلى هذا التساؤل: هل سيتسنى لهؤلاء العظماء الذين ماتوا واحتفى بهم العالم بعد موتهم فقط أن يعيشوا عظمة هذه اللحظات الخالدة بعد أن نبذهم الجميع في سنوات حياتهم؟
حتماً لن نستطيع معرفة الإجابة عن هذا التساؤل، فذاك من علم الغيب، لذلك من الأفضل أن نعمل على تقدير الناس حق قدرهم أثناء حياتهم، وكما قال جبران خليل جبران «وردة واحدة لإنسان على قيد الحياة أفضل من باقة كاملة على قبره».
Ahmed_almadloum
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .