البُعد الأهم في رحلة هزاع المنصوري..
هناك بُعد آخر للإنجاز الكبير الذي قام به هزاع المنصوري، بُعدٌ لا يقل أهمية أبداً عن المُنجز العلمي، وهو رسم صورة «الشخصية القدوة» في ذهنية أطفال وأبناء وشباب الإمارات، وما أحوجنا لهذا الأمر، بعد انتشار التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي!
لقد استفحلت هذه الوسائل لدرجة سيطرتها على ذهنية الأطفال والصغار وحتى الشباب، فهم شديدو التعلق والتأثر بشخصيات كرتونية، وأبطال الألعاب الإلكترونية، وأخيراً ــ وتلك طامة كبرى ــ ببعض مشاهير الـ«سوشيال ميديا» غير الأسوياء، ومن المُحزن جداً أن تسمع إجابة غريبة ومزعجة من طفل صغير، عند سؤاله عن وظيفة المستقبل التي يرغب في أن يحصل عليها: «أُريد أن أصبح (يوتيوبر) مشهوراً»، فهل هناك طامة أخطر من ذلك على هذه العقلية الصغيرة؟!
هزاع المنصوري، ذلك الشاب الإماراتي الرائع في شخصيته وابتسامته ونظرته المليئة بالتحدي، والمُعتز جداً بهويته ولهجته الإماراتية، حيث فاجأ العالم بظهوره، وبكل فخر واعتزاز، مرتدياً الزي الإماراتي في قلب محطة الفضاء الدولية، ولاقت الصورة استحسان وإعجاب الملايين، وأصر على مخاطبة الجميع من الفضاء، بلهجته الإماراتية، تكلم مع الكبار والصغار، وتحدّث بها إلى طلبة المدارس، وكذلك في المؤتمرات الصحافية، لم يتصنع، ولم يتكلف، ولم يستخدم أسلوب «حيسة» اللسان بلغة أخرى، كما لم يكن من أولئك الذين يُطلق عليهم «تشيكن نيجتس»، الذين يعتقدون أن التحدث بكلمة عربية، ومزجها بعشر كلمات إنجليزية هو التطور، وهو الرقي، وهو معيار الذكاء، لم يفعل ذلك هزاع، وكان كلامه بلهجة إماراتية عربية واضحة وخالصة لا خلط فيها، مع أنه رائد فضاء، ومع أنه أصبح شخصية عالمية، انتشرت صورته وصوته في جميع وسائل الإعلام العالمية طوال ثمانية أيام!
لذلك كان من المهم جداً أن تسيطر شخصية مثل شخصية هزاع المنصوري على عقليات الأطفال، لأنهم الأكثر تعلقاً وتأثراً، والأسرع تشكلاً واقتناعاً، وكان ذلك المشهد جميلاً ومُحفزاً، ويدعو إلى التفاؤل، مشهد الأطفال الصغار وهم يرتدون بدلة الفضاء الزرقاء، وعلى يمينهم علم الإمارات، فهو ليس مجرد لبس مؤقت، بل هو فكر يُزرع في العقول، وكم كانت تلك المدارس موفّقة وتستحق كل شكر وتقدير، تلك التي وضعت شاشات كبيرة، وجعلت الطلاب يتابعون لحظات وصول المركبة «سويوز إم إس 12» إلى الأرض لحظة بلحظة، وخروج هزاع منها، وهو يحمل ويقبّل علم الإمارات، هذه اللحظات التاريخية هي في حد ذاتها دروس في الوطنية، ودروس في التحفيز، هذه الدروس لن يجدوها في الصفوف الدراسية، وهي ستثبت دون شك في ذاكرة هؤلاء الصغار، وستكون لهم خير دافع، وأكبر مُحفز لنهل العلم، والتفوق الدراسي، لأنهم سيدركون أن المدرسة هي البداية الحقيقية لأي إنجاز حقيقي، والعِلم وحده هو من يصنع الأبطال والمشاهير، لا تلك «التطبيقات» الكريهة التي تشحن عقولهم بسلبيات أولئك المرضى النفسيين، الذين أصبحوا في غفلة من الزمن مؤثرين!
twitter@samialreyami
reyami@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .