فشل «نوكيا» وإياكِ نعني يا جارة!
قبل نحو عشر سنوات فقط من الآن، كانت هناك شركة هواتف عملاقة تعد دون منازع اللاعب الأساسي على ساحة الهواتف الجوالة العالمية، فقد وصلت مبيعاتها إلى نصف السوق العالمية بأكملها، وبلغت أرباحها 13 مليار دولار سنوياً، وكانت هي أول من قدم لعالم الهواتف الذكية، ولم يكن لدى أي إنسان شك أبداً في أنه لا يمكن أن يكون لعالم الهواتف الذكية مستقبل خارج هيمنة هذه الشركة.
بالتأكيد الجميع يعرفها، فشركة «نوكيا» كانت على كل لسان، لكن بالعودة للوقت الحاضر فقد زال أثر هذه الشركة تماماً، وانهارت بشكل كامل، حيث باتت علامتها التجارية مملوكة من قبل شركة HMD، وعلى الرغم من محاولتها استغلال الحنين للماضي، فمبيعاتها لاتزال صغيرة للغاية، ولا تقارن بمبيعات شركات صينية عمرها بضع سنوات فقط!
بالطبع لا يمكن أن يأتي انهيار شركة بحجم نوكيا من الفراغ، فالانهيار لم يكن انسحاباً تدريجياً من مجال ما للتركيز على مجال آخر، والحفاظ على جزء من قوة الشركة، بل كان انهياراً كاملاً، تسبب في تمزيق ما كان يعرف باسم «نوكيا» يوماً ما على شكل أجزاء متناثرة، بعضها مملوك من قبل Microsoft والباقي من قبل HMD!
وحتى تصل شركة كبيرة للغاية إلى هذا المصير المؤسف لا شك أن هناك الكثير من الأسباب والعوامل، أدت إلى حدوث هذه الكارثة، ومن هذه الأسباب والعوامل لابد من استخراج الكثير والكثير من الدروس المستفادة، لأن تكرار الأسباب ذاتها، لاشك أنه سيؤدي إلى تكرار الانهيار ذاته في أي مكان أو شركة، مهما اعتقد البعض أن الحجم التاريخي لأي بضاعة قد يضمن لها الهيمنة المطلقة على السوق، دون استمرارية بذل الجهود التطويرية أو العمل الإبداعي المستمر!
لماذا فشلت «نوكيا»؟ سؤال لم يحير الكثيرين، لأن ذلك الفشل كان مرتباً وشبه متوقع، وقد خصصت العديد من كليات الاقتصاد محاضرات لدراسة أسباب فشل شركة «نوكيا» صاحبة الريادة في عالم المحمول، لم تفشل الشركة بسبب أمور مالية، أو إجراءات تعسفية منعت ظهور إنتاجها، ولا بسبب اندلاع حرب في بلد نشأتها وتصنيعها، بل سقطت بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية، والاعتماد على نجاحات سابقة، وعدم مواكبتها للجديد والحديث، ما أدى في النهاية إلى فشل ذريع أطاح بواحدة من أعظم قصص النجاح، وحولها إلى أشهر قصة فشل في العصر الحديث!
الأهم من ذلك أنه وبعد انهيار الشركة التدريجي مع الوقت، خرج الكثير من المسؤولين السابقين والموظفين بمراتب عليا ضمن «نوكيا» ليدلوا بقصصهم، وكان العامل المشترك بين هذه القصص دائماً هو انقسام الشركة على نفسها، وظهور تحزبات عديدة متناحرة بين بعضها بعضاً، وكل طرف يهتم بمصلحته الشخصية بدلاً من الشركة ككل، وبالنتيجة فقد كانت القرارات تأخذ وقتاً طويلاً للغاية لتمر بعد إقناع عدد كافٍ من المسؤولين، ونتيجة لذلك فإن بعض الأمور البسيطة، مثل اختيار شريحة مناسبة للهاتف القادم كانت تحتاج إلى وقت يمتد لقرابة السنة ريثما تقرر الشركة، وبحلول ذلك الوقت تكون الشريحة التي اختاروها قد أصبحت من الجيل السابق!
في الواقع كان هذا الأمر أساسياً في جعل الشركة غير قادرة على الرد على التهديدات الجديدة، ومع ظهور كل من هواتف iPhone عام 2007، والهواتف العاملة بنظام Android عام 2008، كانت الشركة غير واعية أبداً لحجم التهديد لحصتها السوقية، حيث إنها فشلت في إصدار منتج منافس حقاً حتى عام 2010 مع هاتف Nokia N8، الذي على الرغم من كونه جيداً للغاية حينها، فقد كان متأخراً لسنوات كرد من الشركة، وبحلول ذلك الوقت كان العديد من المستخدمين قد انتقلوا للشركات المنافسة!
«نوكيا» لن تعود كما كانت أبداً، وهكذا حال كل مشروع أو فكرة أو شركة تعتقد أن النجاحات السابقة هي ضمان لاستمرارية النجاح دون عمل أو جهد أو إبداع، بالتأكيد جميعكم تعرفون مشاريع وشركات وأفكاراً أو «مهرجانات»، لاقت المصير ذاته المؤسف الذي لاقته «نوكيا»، فالحديث عن «نوكيا» وإياكِ نعني يا جارة.. أليس كذلك؟!
reyami@emaratalyoum.com
twitter@samialreyami
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.