5 دقائق
التحدث بنعمة الله
ما أجملَ أن يستشعر الإنسان جليل فضل الله عليه، وما أسداه إليه من نعم ما كان له أن ينالها إلا بفضله سبحانه، كما قال جل ذكره: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾، وقد أخبرنا الحق، سبحانه، أن نعمه على عباده جلَّ أن تُحصى لكثرتها، ومعلوم أن نعم الله تعالى تقتضي شكره، جل وعلا، حتى يكون الشكر قيداً للموجود منها، وصيداً للمفقود؛ لأن الشكر هو الاعتراف بفضل المنعم، وذلك مقتضٍ رضاه؛ فإنه يرضى عن الشاكرين، ومِن شكره، سبحانه، التحدث بنعمه التي أسداها من غير حول المرء ولا قوة، ذلك أن التحدث بها يقتضي إسنادها إلى المنعم، سبحانه، ومن هنا جاء الأمر بالتحدث بها في قوله سبحانه: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، والمعنى: انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء، والتحدث بها والاعترافُ بها شكرٌ - كما قال المفسرون- والأمر للندب والحث، وقد ورد هذا المعنى من حديث النعمان بن بشير، رضي الله عنهما، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر - أي كفر النعمة - ومن لم يشكر اليسير لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، عز وجل، والجماعة بركة، والفرقة عذاب».
ومن التحدث بنعمة الله تعالى علينا هذه الأيام التحدث والابتهاج والفرح بنعمة الاتحاد، الذي يعد من أجلّ نعم الله علينا بعد الإسلام؛ لما فيه من خير عميم وفضل جسيم، على الشعب الإماراتي والعربي خصوصاً، وعلى الأمة الإسلامية والعالمية عموماً، هذه النعمة التي جمعت القلوب وألَّفت بينها ووحدت صفها، وأمَّنت من خوف، وأطعمت من جوع، بفضل الله تعالى وعطائه، وأظهرت هذا البلد كشامة بين البلدان التي كثير منها يتمزق ويتناحر على الحُكم والمصالح الخاصة، بينما مؤسسو هذا الاتحاد اجتمعوا على المصلحة العامة والعطاء للخاص والعام، فكان اتحاداً نافعاً غير ضار، مثمراً غير مجدب، فحقُّ الله علينا أن نزداد له شكراً ليزيدنا عطاءً وفضلاً.
فإذا جاءت ذكرى توحيد هذه الأمة في كيان واحد ويد واحدة، فإنها لا تمر مرور الكرام، بل إن تذكر الخيرات المغدقة، والنعم المتدفقة، وأجلُّها وحدة الصف الذي لم يطرأ عليه وهن منذ تشابكت أيادي المؤسسين، عليهم الرحمة والرضوان، وفي كل يوم يزداد هذا التشابك قوة وصلابة، حتى أصبحت الإمارات شجرة واحدة، تسقى بماء واحد، فيمتزج في غصونها السبعة، ويثمر الطلع النضيد والحب الحصيد.
إن التحدث بهذه النعمة يرسخ مكانتها، ويعزز قوتها، وينشر خبرها لمن يهمه أن يسمع البناء الراسخ، والتطور الباذخ، فيحتذي بمثل هذا الأنموذج الأوحد في عالمنا العربي على الأقل، ويعرف أن هذا الخير إنما جاء بسبب الالتفاف على القيادة الرشيدة التي التفتت إلى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، فبذلت قصارى جهدها للبناء الراقي، والعطاء الزاكي، والعدالة المنضبطة، والنظام الشامل، ولم يشغلها عن ذلك ما شغل الأمم الأخرى من فتن داخلية يسعى ببزَّتها كل جهول، فأصبحت وبالاً على من سعى إليها وعلى من ساندها، ولم يسلم من ذلك حجر ولا شجر، بل قضت على الأخضر واليابس، وأبادت حضارات عريقة، ومزقت النظم الاجتماعية التي ظلت مئات السنين متماسكة، ولن تعود إلى سالف عهدها إلا أن يشاء الله تعالى، ولعله بعد قرون.
التحدث بهذه النعمة الكبرى يقتضي منا أن نشكر الله، تعالى، عليها بالغ الشكر وأجزله، وذلك بالدعاء له سبحانه بحفظها، والدعاء للمؤسسين، وعلى رأسهم الشيخ زايد بن سلطان، الذي كان رائد قومه وناصح أمته - والرائد لا يُكذب أهله كما ورد - فعرفوا صدقه ونصحه فالتفوا حوله كالتفاف النحل على يعسوبها، والدعاء لمن سار على هذا النهج الوحدوي القويم، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ولولي عهده وعضده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولإخوانهم أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى، فندعو لهم بما نحبه لهم من الخير لأنهم خير أئمة نحبهم ويحبوننا، ونصلي عليهم ويصلون علينا، كما ورد في الحديث الشريف..
فثبت الله هذه النعم وزادها قوة وبركة.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .