ماذا يمكن لزوربا أن يعلِّمنا؟
أليكسس زروبا، هي إحدى تلك الشخصيات الخالدة في ذاكرة الأدب، أمثال كنديد فولتيير، وهاملت شيكسبير، وفاوست غوته.
هي شخصية أبدع في وصفها الكاتب والفيلسوف نيكوس كازنتزاكيس في روايته الأشهر زوربا اليوناني (1946)، وقد التقى كازنتزاكيس بزوربا الحقيقي في إحدى الرحلات البحرية إلى جزيرة كريت اليونانية، حيث كان سيقضي أشهراً عدة هناك للقيام ببعض الأعمال، وقد تعارفا على متن السفينة في موقف غريب وفكاهي، وسرعان ما تحولت هذه المحادثة القصيرة إلى صداقة حميمة جمعت بينهما، واتفق الاثنان على أن يعمل زوربا تحت إمرة باسيل (اسم كازنتزاكيس في الرواية) رئيساً لعمال المنجم، ومن هنا بدأت المغامرات والجدالات الطويلة والعميقة بين هذه الشخصيات المتعارضة تماماً في فهم الحياة. فقد كان باسيل عاشقاً لقراءة الكتب، وكان زوربا رجلاً أمياً، يسخر من ذلك مراراً بقوله: «كتبك تلك أبصق عليها، فليس كل ما هو موجود، موجود في كتبك»، غير مبال بأن باسيل أو السيد الرأسمالي، كما كان يحب أن يطلق عليه، هو رئيسه! ذلك أن زوربا كان يعشق الحياة بمعناها الجوهري والحقيقي، وقد أعجب باسيل إعجاباً شديداً به وبفلسفته الزوربوية الخاصة حول كل الأشياء، فماذا يمكن لزوربا أن يعلمنا عن الحياة؟
كان زوربا يجد في الرقص تمرداً على الواقع، وانتصاراً على كل المشاعر، فقد كان يرقص عند الحزن، وعند الغضب، وعند التعارف أيضاً! ففي إحدى المرات تعرف إلى امرأة لا تتكلم اليونانية، وكانت عندما تريد أن تقول شيئاً فإنها ترقص ما تريد قوله، ثم يقوم زوربا برقص ما يريد قوله، وهكذا تعارفا. كما كان يستنجد بالرقص عند التعبير عن مشاعره، قائلاً لباسيل، بعد أن توثقت عرى الصداقة بينهما «لم أحب أحداً بقدر ما أحببتك. لدي مئات الأشياء كي أقولها، ولكن لساني لا يستطيع التلفظ بها. ولهذا سأرقصها لك! تنح جانباً حتى لا أصدمك! إلى الأمام، هوب! هوب»، ومن هذه المشاهد في الرواية انبعث رقصة زوربا التي عدت من صلب الفلكلور اليوناني، وتحولت إلى حركة شعبية حول العالم.
يعلمنا زوربا أن «الحياة الطيبة ليست باهظة الثمن»، كما كان يردد، وأن الحرية التي ينشدها جميع البشر هي حرية نسبية، عندما اعترض على رئيسه الذي قال بكل ثقة إنه حر، فهز زوربا رأسه ساخراً، وقال: «كلاً. لست حراً. إن الخيط الذي يشدك أكثر طولاً من خيوط الآخرين. هذا كل شيء. خيطك طويل أيها الرئيس. تجيء وتروح، وتعتقد أنك حر، لكنك لن تقطعه أبداً». وتكمن السعادة في فلسفة زوربا في القيام بالواجب، بقوله: «السعادة هي القيام بواجبك، وكلما كان الواجب أصعب كانت السعادة أعظم»، وعندما يتكلم عن الحياة، فإنه كان يمقت أنصاف الأشياء، ففي هذا يقدم لنا درساً مهماً، وهو: «إن القيام بالعمل جزئياً فحسب، والتعبير عن الأشياء جزئياً، وأن تكون جيداً جزئياً، هو ما يجعل العالم في هذا العطب اليوم». وإذا تحدث زوربا عن الإنسان فستعلم أنه محب مخلص للإنسانية جمعاء، فكان لا يعير أي أهمية للقوميات والأعراق، ما يهمه في الإنسان، على حد قوله: «أهو شريف أم سيئ؟ هذا هو السؤال الذي أطرحه». ثم يختم عبارته بملاحظة ذكية، تلخص المصير البشري: «كلنا إخوة، وكلنا وليمة للديدان!»، وكان زوربا يستقبل متاعب الحياة كاستقباله لحبيب قديم، فكان يقول لباسيل: «أنا مغطى بالجراح المندملة أيها الرئيس، لذلك باستطاعتي الوقوف طويلاً»، كما كان زوربا يعيش جماليات يومه بتفاصيله الآنية، غير آبه بما سيحدث في المستقبل. وذكر باسيل أن زوربا كان يرى الأشياء وكأنه يراها للمرة الأولى في حياته، وهذا هو سر عدم شعوره بالملل أبداً. هذه الرواية العظيمة هي تظاهرة أدبية في وجه الأدب نفسه، فقد رفض زوربا جميع أصناف الثقافة، واختار الحياة أن تكون له خير معلم.. لكن مهلاً يا زوربا، فلولا الأدب لما كنا علمنا من هو أليكسس زوربا! أليس كذلك؟
ملاحظة: هناك مقولة واحدة نسبتها لزوربا، وقد اختلقتها بنفسي، وعليكم أن تبحثوا عنها.
Ahmed_almadloum
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .