كيف يتحول الإنسان إلى قاتل؟
قول في سيكولوجية الشر «الجزء الإول»
التاريخ: 31/12/2019
المكان: محكمة الإدراك الأخلاقية
الوقت: 11:00 مساءً
على عتبة العام الجديد، جرت محاكمة لا مثيل لها، وهي من الغرابة أن يستحيل على الإنسان أن يصدقها، لكنها على أية حال حدثت. قام الشر في خطوة يائسة وبعد آلاف السنين من الاضطهاد الذي لحق به، بتحريك دعوى قضائية على المتهم في هذه القضية «الخير» بتهمة ازدراء الشر وتهميش دوره الخطير الذي يمارسه على النفس الإنسانية، ولأهمية هذه المسألة قررت أن أنقل لكم ما قاله محامي الشر في مرافعته:
حضرة القاضي:
ما الذي يجعل المرء مجرما؟ كيف تحول مايكل كورليوني في فيلم «العراب» من بطل حرب إلى رئيس لأكبرعائلة مافيا إيطالية؟ أهي صفات متوارثة عن أجداده تسكن حمضه النووي؟ إن كان ذلك وارداً، هذا يعني أن نظرية عالم الجريمة سيزار لومبوروزو بأن المجرمين يحملون سمات بدنية مشتركة قد تكون صحيحة، وهذا يعني أن شكل ذقنك قد يرميك في السجن! لكن كلا كلا، هذه النظرية فارقت الصحة منذ مدة بعيدة، بل لم ترها أبدا، وسأكشف لكم أيها السادة عن هوية المجرمين الحقيقيين في هذه المرافعة! ثم استدار المحامي على الحضور وصرخ بانفعال: «أنت قاتل وأنت قاتلة لكنكم لا تعلمون ذلك!».
أستميحكم عذراً فقد فقدت صوابي للحظة، وأخذتني الحمية قليلاً وحتى لا أثير حفيظة أياً منكم مجدداً سأسالكم هذا السؤال بكل براءة: «هل تعتقدون أنكم في يوم من الأيام ستكونون قادرين على قتل إنسان؟».. هل «تظنون أن الخير كامن في أنفسكم لا يتزعزع مهما كانت الظروف المحيطة بكم؟».. «هل تظنون أن الحياة قد غزلت خيوط المحبة والرحمة في نياط قلوبكم.. ويستحيل أن توجد شذرة أمل لقوى الشر أن تنفث سمومها فيكم؟». إذن أسمحوا لي أن آخذكم في رحلة معتمة إلى أقبية الشر، إلى مكامن غرائز القتل والتعذيب والاضطهاد البشري الذي أرتكب على مر العصور، لعلكم تجدون بعض المنطق في ما سأقول، ولعلكم تتنهدون من فظاعة بعض البشر الذين لطالما رأيناهم بأنهم أشرار قتلة لا ينتمون الى الجنس البشري الانساني الصالح القويم، لكن الواقع هو أبعد من ذلك وفكرتنا الأساسية عن الشر غير صحيحة.
ثم ضرب القاضي بمطرقته على الطاولة بعد أن دقت الساعة الـ12 معلنة دخول العام الجديد، وقال بابتسامة عريضة:
«كل عام وأنتم بخير أيها السادة الحضور.. ونتوقف عند هذا الحد لنكمل محاكمتنا في الأسبوع المقبل». رفعت الجلسة.
* مشهد جانبي. خرج الشرغاضباً من المحكمة لأن القاضي قام بازدرائه وإهانته، ونسي أن يذكر اسمه، فقد قال القاضي: «كل عام وأنتم بخير فقط، من دون أن يقول كل عام وأنتم بخير مع وجود الشر!»، فظل ذلك الأخير يردد لمحاميه وهو يجر عباءته السوداء ومنجله: «شكلنا بنرفع قضية ثانية!».. «شكلنا بنرفع قضية ثانية!».
Ahmed_almadloum
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.