«كورونا» والتاريخ
لا يتعلم البشر من أخطائهم، الأخبار من العراق إلى إيطاليا واحدة: السلطات تحذّر من التجمعات أو حاكم مقاطعة لومباردي الإيطالية يطالب الحكومة بتشديد إجراءات الإغلاق. لو كان الفيروس - أياً كان - كائناً عاقلاً لاستغرب هذا الاستهتار العالمي من مخلوق ذكي اختار أن يكون فريسة سهلة!
خرجت حشود ضخمة في العراق للاحتفال بمناسبة دينية وهي الدولة المجاورة لإيران، بؤرة آسيا الجديدة، وصرح رئيس الأخيرة بأنه لا ينوي اتخاذ إجراءات مشددة لمكافحة «كوفيد 19».
وفي إيطاليا مازالت الناس تقيم حفلات راقصة وتستخدم المواصلات العامة رغم أن عدد القتلى تجاوز 4000، ناهيك عن رئيس الوزراء الفرنسي الذي اشتكى عدم التزام الناس بتحذيرات الحكومة.
في إيطاليا مازالت الناس تخرج متحدية الفيروس القاتل ومازالوا يتزاورون خصوصاً فئة الشباب المصابين الذين لا تظهر عليهم أعراض قوية ويزورون أقاربهم المسنين وينقلون إليهم الفيروس فيقتلهم. الإيطاليون حسب تقارير صحافية غير مبالين ولا يريدون تغيير نمط حياتهم، وخير ما يعبر عن مزاجهم هاشتاق: «نمط الحياة ضد الخوف، وفلورنسا لا تتوقف».
هذا يحدث في مارس 2020.
عام 1918 في ذروة تفشي الإنفلونزا الإسبانية، في مدينة زامورا بإسبانيا، تحدّى قس تحذيرات السلطات الصحية وقرر إقامة صلوات مسائية مدة تسعة أيام إجلالاً لقديس يسمى روكو، دعا الناس خلالها إلى تقبيل تمثال القديس. ذلك العام سجلت زامورا أعلى معدل وفيات داخل إسبانيا ومن الأعلى على المستوى الأوروبي.
أيضاً في 1918، أقامت ولاية ماساتشيوستس الأميركية خمسة كرنفالات احتفالية بمناسبة الانتصار في الحرب ولجمع التبرعات للساسة، نتج عنها انتشار الإنفلونزا الإسبانية في الولايات المتحدة ومقتل 775 ألف شخص هناك بنهاية الوباء.
لا يهم عدم وجود علاج للفيروس مادامت هناك طرق للوقاية، وعدد الأمراض في العالم أكثر من الأدوية. المخيف في «كوفيد 19» سرعة انتشاره التي شبهها بعض الخبراء بالانفجارية، لكن ذلك لا يعني نهاية العالم.
يثبت تاريخ الفيروسات والأوبئة مرة تلو الأخرى أنه كلما انعزلت المنطقة الموبوءة انحسر المرض واختفى، لأنه يزدهر في التجمعات البشرية. فعلتها الصين وقمعت «كوفيد 19» بالقوة حتى بلغت الحالات المسجلة صفراً، وما تسجله الصين يأتيها من الخارج.
لم يخترع الإنسان علاجاً للكثير من الطواعين في العصور القديمة، لكنها انحسرت عندما غير البشر سلوكهم واعتزلوا التجمعات وعزلوا المرضى. مثلاً، الخليفة عمر بن الخطاب لم يخترع علاجاً لطاعون عمواس الذي تفشى في خلافته عام 18 هجري/ 639 للميلاد بعد فتح بيت المقدس.
قتل الطاعون الكثير من المسلمين وأبرزهم أمين الأمة أبوعبيدة بن الجراح. فما كان منه رضي الله عنه إلا أن أمر الناس باعتزال المدن والتوجه إلى الجبال لأن الطاعون لا ينتشر هناك، وبهذا القرار الذكي اختفى الطاعون.
بالعربي: من طاعون عمواس إلى الطاعون الأسود في القرون الوسطى الذي قضى على نصف شعوب أوروبا إلى الإنفلونزا الإسبانية التي حصدت 50 مليون روح إلى سارس وانفلونزا الخنازير وميرس وكوفيد 19.. التاريخ يقول: الاستراتيجية واحدة، لا تنتظروا اللقاح الذي ربما لن يأتي، لكن اعتزلوا التجمعات واعزلوا المرضى وسيختفي كورونا (كوفيد 19) كما اختفت الطواعين قبله.
الاستراتيجية واحدة لا تنتظروا اللقاح، لكن اعتزلوا التجمعات واعزلوا المرضى.
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com