«كورونا» والمستقبل

نحن أمام مرحلة جديدة تبرز ملامحها شيئاً فشيئاً. غابت السياسة وتوارت عن الأنظار نهائياً وبرز «كورونا /‏‏ كوفيد 19» ونصب نفسه ملكاً على أحداث العالم. «كورونا».. الفيروس التاجي حديث الساعة. أغلق كل تطبيقات الأخبار وسيصلك على «واتس أب». أغلق هاتفك واجلس مع أي شخص فسيحدثك عنه من والديك إلى الحلاق!

افتح كل صفحة من أي صحيفة ستجد «كورونا». الحل الوحيد للهرب منه هو عزل نفسك في غرفة وإبعاد هاتفك الذكي، وهو أقرب إلى المستحيل في عالم متصل بالشبكة على هذا الجهاز.

بعد انتهاء هذه الأزمة لن ننسى عام 2020، وسيُسمى عام «كورونا»، وأتوقع أن تحتل صورة الفيروس الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية العالمية في ديسمبر ضمن تقارير حصاد العام كما احتلته صوره أول السنة. ولا تستغرب لو وضعته مجلة تايم على غلافها لعددMan of the Year، أو شخصية العام.

لن ننسى عام التعقيم وعام الكمامات وعام الحجر الصحي والمنزلي وحملات «ابق في منزلك» وحملات التباعد الاجتماعي العالمية. «كورونا /‏ كوفيد 19» غيّر وجه العالم في الـ90 يوماً الأولى من 2020، ومن المتوقع تأثيرات جمة في السياسة والاقتصاد والاجتماع.

صدمت إيطاليا من عجزها أمام «كوفيد 19»، وصدمت من الاتحاد الأوروبي الذي أدار ظهره لها، وصرح مسؤولوها بأن الاتحاد يعامل الإيطاليين «كشحاتين»، وأن إيطاليا تدرس الخروج منه!

اللافت أن الصين هي التي هبت لنجدة الطليان وغيرهم من دول أوروبا الذين طلبوا مساعدتها. إسبانيا وفرنسا تواجهان انهياراً في منظومتيهما الصحيتين، أما ألمانيا فتصرفت بشكل أفضل وكذلك هولندا ودول إسكندنافيا. والسؤال هنا: لماذا معايير الاتحاد الأوروبي مختلفة في التعامل مع الفيروس، رغم اتفاق هذه الدول على توحيد كثير من إجراءاتها؟

كبحت الصين الفيروس وأصبح نموذجها لافتاً ومضرباً للمثل، وكذلك كوريا الجنوبية وسنغافورة، ودول آسيا معروفة بصرامتها في التعامل مع الأزمات أكثر من أوروبا التي ظهرت مختلفة في إجراءات التعامل، رغم وجودها في كيان متحد. من الواضح جداً أن الشرق يتفوق على الغرب في إدارة الأزمات، خصوصاً الصحية.

لن تنسى إيطاليا مساعدة الصين ولن تنساها دول شرق أوروبا، وقد تتغير نظرة الدول إلى بعضها بعضاً بعد هذه المرحلة، لأن الإنسان بطبعه لا ينسى من يهبّ لمساعدته وقت الأزمات.

كشفت الأزمة قصوراً في كل الدول المتقدمة التي تُسمى دول العالم الأول، وها هي دولة الإمارات الصغيرة جغرافياً والكبيرة بل والعملاقة إنسانياً تهبّ لمساعدة إيران بالإمدادات الطبية، رغم كل خلافات الماضي، وتهب لمساعدة كوريا الجنوبية بإجلاء مواطنيها من إيران، وتهب حتى لمساعدة دول أوروبا، وهذا يعكس البنية التحتية الممتازة للدولة في مجال الإغاثة.

بالعربي: سيكثر الحديث عن عيوب العولمة بعد الأزمة، وعن ضرورة تأسيس صناعات استراتيجية داخل الدول، وعن رسم سياسات قُطرية جديدة مستقلة لكل دولة، وسيقل اعتماد دول الكيان السياسي الواحد على بعضها بعضاً في بعض المجالات، وبالتأكيد سيزداد التنافر بين أقصى الشرق وأقصى الغرب، أي بين الصين والولايات المتحدة في عالم سيُسمى «ما بعد كورونا 2020».

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

بعد انتهاء الأزمة لن ننسى عام 2020، وسيُسمى عام «كورونا».

الأكثر مشاركة