جريمة نستطيع منعها
لم أُصدم من قبل بحجم صدمتي بما اكتشفته هذا الأسبوع عن حجم العنف الأسري، البداية كانت بمقال صحيفة «الغارديان» البريطانية بتاريخ التاسع من أبريل 2020، يفيد بأن معدل الإبلاغ عن حوادث العنف المنزلي في بريطانيا ارتفع بنسبة 120% منذ أزمة «كورونا»، وأخذني البحث حتى وصلت لوطننا العربي، الذي ليس أحسن حالاً من الغرب. ويبدو أن الرحلة تبدأ منذ الطفولة وتستمر طوال مراحل الحياة، والمحزن أن الكثير من الآباء لا يجدون غضاضة في امتهان كرامة أبنائهم وعدم احترامهم، بل في بعض الثقافات بالدول العربية يعد تدليل الطفل أو الحديث معه أمراً مستهجناً. العنف ضد الأطفال سواء عنف جنسي أو جسدي أو معنوي، لا حصر له، خصوصاً تجاه الفتيات، مثل الختان، والزواج القسري، والضرب، والإيذاء المعنوي. وللأسف قد يمتد العنف ليطال الوالدين فيصل إلى أن يضرب الابن أباه وأمه.
بحسب منظمة الصحة العالمية، ثلث نساء العالم يتعرضن للعنف من قِبَل شريك الحياة أو أحد الأقارب، وكل دقيقة يتم قتل ست نساء على يد شخص مقرب منهن! وأعتقد أن النسبة أكبر في الدول العربية، بسبب جرائم الشرف التي لاتزال تُرتكب في بعض المجتمعات، وآخرها حادثة الشابة الفلسطينية إسراء غريب. وليس بالضرورة أن يكون العنف جسدياً، بل يشمل العنف التهميش والازدراء والتجاهل وتسفيه الرأي، والكثير من الصور التي لا يعتقد البعض أنها تندرج ضمن العنف والإساءة، وفي الكثير من الدول العربية لا تعتبر المرأة أو الرجل أن ضرب الرجل لزوجته يقع ضمن العنف. والأسوأ أن في بعض الدول لا توجد تشريعات تحمي المرأة أو الأطفال أو الفئات المختلفة من آفة العنف.
تشير الإحصاءات إلى أن 75% من حالات العنف المنزلي تحدث أمام الأطفال، و50% تحدث لهم، ومن المؤكد أن التعرض للعنف الأسري في سنوات الطفولة يترك آثاراً وندوباً نفسية ووجدانية يصعب علاجها، بل قد لا يمكن علاجها، ومنها التأخر في التحصيل الأكاديمي، واضطرابات ما بعد الصدمة، مثل الكوابيس والتبول اللاإرادي، وفقدان الثقة بالنفس، والأسوأ أن يمارس الطفل العنف سواء مع أقرانه أو حتى بعد أن ينضح. وحتى تتخلص المجتمعات من هذه الآفة اللعينة لابد من البدء بالتوعية الجادة التي تصل إلى كل فئات المجتمع، وذلك من خلال الحملات التوعوية الفعالة باستخدام الإعلانات والبوسترات، وتضمين تلك القضية في المناهج الدراسية وبرامج التلفزيون، وعدم عرض مشاهد العنف في الأعمال الفنية بكل صورها، كما يجب سنّ وتطبيق التشريعات بيد من حديد، ومن دون أي تهاون، وتهيئة مأوى مادي ونفسي حقيقي لضحايا العنف.
@Alaa_Garad
Garad@alaagarad.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
ليس بالضرورة أن يكون العنف جسدياً، بل يشمل العنف التهميش والازدراء والتجاهل وتسفيه الرأي.