صناعة التعليم ماذا بَعد البُعد؟
ماذا بَعد التعلّم عن بُعد؟ سؤال علينا أن نفكر فيه من الآن حتى نكون مستعدين، فكلنا يعلم ما نمرّ به من ظروف حالية تؤثر فينا وفي العالم أجمع، إلا أننا في الإمارات اعتدنا أن نخرج من التحديات بالإنجازات، فهذه الظروف لم تُعِقنا عن مواصلة مسيرتنا التعليمية، فطلابنا يتابعون عامهم الدراسي من منازلهم (عن بُعد)، وهذا ولله الحمد إنجاز يحسب لوطننا وقيادته الحكيمة التي تستشرف المستقبل.
لكن المستقبل القريب يخرج لنا بتساؤل: «ماذا بعد التعلّم عن بعد؟»، من المؤكد أن المؤسسات التعليمية، بعد أكثر من شهر من التعلم عن بعد، لن تعود لما كانت عليه قبل تلك الفترة، فالأزمة فرضت علينا إعادة صياغة التعليم، وتداعياتها الحالية وضعت التعليم أمام فرصة استثنائية ليكون ملامساً لقدرات هذا الجيل ويكون أكثر إثارة ومتعة وإبداعاً.
إذاً علينا أن نستعد لتحولات جديدة، فالتعليم الذي أصبح يقدم للطالب كخدمة على غرار «أوبر»، يصله أينما كان متجاوزاً حدود الزمان والمكان، لا يُتوقع في المستقبل القريب أن يأخذ منحنى للعودة للنمط التقليدي، بل لابد أنه سيجد طريقاً جديداً «هجيناً»، يجمع ما بين التعليم داخل الحرم الجامعي التقليدي، وأدوات التعلم الرقمي، لأن الحرم الجامعي الرقمي بدأ يأخذ شكله المتكامل على مستوى التطبيق فارضاً ذاته بقوة التكنولوجيا وطبيعة الجيل.
لذا فإن المرحلة المقبلة تتطلب منا الإبقاء على مكتسباتها من خلال المزج بين التقليدي (بمعنى المتعارف عليه) والرقمي (المستجد)، فجانب كبير من العملية التعليمية والخدمات والأنشطة الطلابية أثبت فاعلية في التطبيق عن بُعد، خصوصاً في ما يتعلق بالتخصصات النظرية، لذا علينا تعزيز هذا النجاح، وبالمقابل النظر للشق التعليمي التطبيقي، الذي لا غنى فيه عن المباني بمختبراتها وورشها العملية، لنعيد النظر في هذا الشق وندعمه بالتكنولوجيا الحديثة وأفضل الممارسات التعليمية التطبيقية، بما يتماشى مع الرؤية الوطنية الرامية لتمكين الجامعات من تخريج شركات ورواد أعمال.
إن التعلم عن بُعد له مستقبل مفتوح للإبداع والتنافس على مستوى المؤسسات التعليمية اليوم، وأولئك القائمين على تكنولوجيا التعليم، وكذلك الطالب (هدفنا الأول)، وهذا سيفتح المجال لرؤى مستقبلية على المدى الأبعد، ربما تؤدي إلى اختفاء الحرم الجامعي بصورته وحجمه النمطي المتعارف عليه اليوم، وتحوله لمساحات تطبيق وابتكار وأنشطة لدعم الإنتاجين العلمي والبحثي بإمكانات متطورة، مقابل تقديم خدمات تعليم متكاملة عبر «الحرم الرقمي الجامعي» بكفاءة وجودة عالية، وهنا يتعاظم حجم التنافسية بين مؤسسات التعليم في تقديم خدمات وتخصصات أكثر جذبا للطلبة، بل وحتى التوجه لإنتاج برامج فردية لكل طالب تتناسب مع ميوله وقدراته، وذلك عبر تحليل «البيانات الضخمة» باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
تصورات قريبة المدى لملامح مرحلة ما بعد البُعد التي فرضتها التحديات، ورؤى بعيدة المدى تفرضها علينا المتغيرات التكنولوجية.. وهدفنا في النهاية أن نكون مستعدين.
التعلم عن بُعد له مستقبل مفتوح للإبداع والتنافس على مستوى المؤسسات التعليمية.
Abdullatif.alshamsi@gmail.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .