مساحة حرة
التغيير الوزاري ورقمنة الاقتصاد
المساعي الحثيثة لتحقيق قفزات نوعية في تنافسية دولة الإمارات، والوصول للرقم الصعب.. الرقم (1)، ليس فقط على مستوى المنطقة ولكن على مستوى العالم؛ متواصلة. والسجل الحافل من الإنجازات متمثلاً في وصولنا إلى المركز السادس عالمياً في الخدمات الذكية قبل عامين تقريباً زاد من حجم التحديات والصعوبات، لاستدامة تحقيق قفزات نوعية نلج بها دائرة أفضل ثلاث دول، وذلك يشمل جوانب مركبة عدة منها: المدفوعات الرقمية التي رسخ أساسها مجلس الوزراء، وأنشأ ركيزة أساسية بإعلانه تأسيس شركة وطنية حكومية خاصة في هذا المجال، هل يكفي ذلك؟
بالتأكيد، سيتبع هذه الخطوة خطوات، والتشكيل الوزاري الجديد يعكس التوجه الحكومي الراسخ والحازم لتحقيق ذلك، فتعيين ثلاثة وزراء أحدهم وزير اقتصاد، واثنان يتوليان مهام وزير دولة، أحدهما لريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ أمر يعني اهتماماً أكبر بترسيخ ثقافة الابتكار وريادة الأعمال وتنافسية هذا القطاع الاقتصادي المهم.
وكذلك التجارة الخارجية، وهي أيضاً ركيزة من ركائز اقتصاد ما بعد النفط، خصوصاً مع الحروب التجارية ووسطيتنا الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي ينبئ بإمكانية أن نأخذ دور مدن مثل هونغ كونغ، التي تلعب دوراً محورياً حالياً، لكن بسبب تقلبات السياسة قد تتراجع مكانتها مستقبلاً.
كما أن تعديل اختصاصات ومسمى وزير الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والعمل عن بعد، يعزز هذا التوجه الحكومي، ويبين عزيمة القيادة بأنها تتطلع الى تغييرات جذرية ممثلة في القطاعات الاقتصادية في الدولة، سواء عبر تطوير الأنشطة التقليدية القائمة على صناعة النفط، والصناعات التحويلية، أو الصناعات الأخرى، وكذلك قطاعات التجارة بأطيافها كافة (التجزئة أو غيرها)، لتتبنى مفاهيم التحول الرقمي والاعتماد على التجارة الإلكترونية، وهذا مطلب رئيس عكسته الدروس المستفادة من جائحة «كوفيدـ19».
كما أن دمج العديد من الهيئات والمؤسسات الاتحادية بما يصل إلى نسبة 50%، يجعلنا نجزم بأن هذا التوجه لـ«رقمنة الاقتصاد» يجب أن يسقط على هذه الجهات، ومثال ذلك هيئة الأوراق المالية والسلع، وهيئة التأمين، وهما هيئتان مسؤولتان عن شركات ضخمة يجب أن يتم إلزامها باللحاق بركب التجارة الرقمية، وتعزيز التحول الرقمي، خصوصاً في ظل ممكنات جديدة تمثلت باستحداث مناصب قيادية حكومية جديدة بمسميات رئيس الحكومة الرقمية والأمن الرقمي، وهو الذي يجعل دولة الإمارات الأولى في المنطقة في المساعي الحكومية، والأولى ربما عالمياً التي يسبق فيها القطاع الحكومي القطاع الخاص بمراحل وسنوات.
نتطلع إلى مبادرات نوعية من الشركات العملاقة، أو بحوافز، أو إلزام وحوكمة مؤسسية حكومية تكون بموجب قرارات نافذة تصدر من الهيئات المعنية، لتحقيق هذا النوع من القفزات في الخدمات المطورة بالقطاع الخاص، ليكون الاقتصاد الوطني التقليدي والرقمي الأقوى إقليمياً في المرحلة الحالية، وليواكب القطاع الخاص مسيرة التحول الرقمي المتميزة للدولة، بما يمكن من تحقيق استفادة نوعية للشركات، وتبني مفاهيم الشفافية، متمثلة في البيانات المفتوحة، والتقارير الدورية، وسهولة الوصول إلى البيانات الاستثمارية، وغيرها من محركات الاستثمار، وتوطين الوظائف التخصصية في هذه الشركات. فالخبراء الذين أداروا عملية التطوير الحكومي، وأثبتوا قدراتهم، هم الأجدر في التحول للاقتصاد المعرفي، وتطبيق معايير الحكومة الأعلى حالياً، وذلك قد يتطلب مسرعات حكومية تضع القطاعات المتفاوتة في موضع الشركاء لا المتنافسين، لبحث حلول سريعة في التحول الرقمي، وتقليص فجوات الخدمات.
مهلة العام قصيرة بعمر الدول، لكن قدرات أبناء الوطن قادرة على تحقيق رؤى القيادة التي منحت تلك المهلة، لكن القيادة تثق في قدرات أبنائها، وتثق باستطاعتهم على تحقيق طموحات وأمل الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في أن تكون الدولة منبر إشعاع حضاري، ونبراساً للأمل في منطقة مليئة بالتحديات، ولأن التغيير سنة الحياة، ومن لا يتغير يجب أن يتذكر أن الديناصورات مآلها الانقراض.
- مستشار إداري داخلي غير مقيم في مركز الإمارات للمعرفة والاستشارات بكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.