5 دقائق
عشر ذي الحجة وثواب الأعمال الصالحة
هلَّت علينا هذه العشر المباركات الفاضلات ونحن لانزال في حمَأة الوباء الكوروني الذي أفسد طعم الحياة، وأثقل كاهل الأمم والدول والشعوب والأفراد، وفتك بالكثير من العباد، ولكنه لن يؤثر على الروح المعنوية لدى المسلمين الراغبين فيما عند الله والدار الآخرة، بل بقاؤه في هذه الأيام الفاضلة دافع قوي للمسلم أن يزداد تبَتُّلُه لربه، رغَباً ورَهَباً، فإنها موسم من مواسم الخيرات، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيامٍ العملُ الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر..»، والعمل الصالح شامل لكل عمل صالح من صلاة وصيام وزكاة وصدقة وقراءة وذكر..
- أكبر عمل بعد الفرائض الدعاءُ الذي هو مخ العبادة، والذي يدفع البلاء، والذي هو أسهل في الأداء والأكثر في الأجر. |
وأكبر عمل بعد الفرائض الدعاءُ الذي هو مخ العبادة، والذي يدفع البلاء، والذي هو أسهل في الأداء والأكثر في الأجر؛ لأنه يعني التذلل للمولى الكريم والخضوع بين يديه وإظهار الافتقار إليه..، وذلكم ما يريده المولى الكريم من عباده كما ورد «إنه من لم يسأل الله يغضبْ عليه»، وهو ما يشير إليه قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، فقد سمت الآية الكريمة من لم يسأل الله تعالى مستكبراً، والمستكبرون في محل غضب الرب سبحانه، كما ورد في الحديث القدسي: «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما، ألقيته في النار»، لأن شأن المستكبر أن يترفع عن غيره وإن كان به حاجة إليه، ومثل ذلك لا يكون من العبد الضعيف الفقير إلى مولاه الغني سبحانه الذي يحب المسألة ويجيب السائلين، فما أحوجنا في هذه الأيام للإلحاح بالدعاء بأن يعجل الله تعالى برفع الله البلاء ويحل علينا العافية!
ولنستغلها فيما يرضي ربنا كما كان السلف الصالح يستغلها بالاجتهاد بالعبادة والذكر والطاعة المقربة للعبد عند مولاه، فإن العبد لايزال يتقرب إلى مولاه بالنوافل حتى يحبه، كما ورد، وقد سمى الله تعالى هذه الأيام أيام ذكره وشكره فقال سبحانه: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾، والأيام المعلومات هي هذه العشر، والمعدودات هي يوم العيد وأيام التشريق، كما قالوا:
أيام تشريق فمعلوماتُ * وعشر ذي الحجة معدوداتُ
وقد ورد في فضل الأعمال الصالحة في هذه الأيام ما رواه أبوهريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام الدنيا أيام أحب إلى الله سبحانه أن يُتعَبَّد له فيها من أيام العشر، وإن صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة، وليلة فيها بليلة القدر».
وقد كان السلف الصالح أشد اجتهاداً فيها، كما روى البخاري ترجمةً في «باب فضل العمل في أيام التشريق»، قال: «وكان ابن عمر، وأبوهريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما».
وقد تساءل الناس عن المفاضلة بين هذه العشر والعشر الأخيرة من شهر رمضان، فرأى بعضهم تفضيلها على العشر الأخيرة من رمضان لحديث ابن عمر السابق، ونرى أن لكل منهما فضلاً عظيماً، غير أن العشر الأخيرة من شهر رمضان أفضل؛ لأن عشر رمضان فيها خصوصية لا توجد في غيرها، وهي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهذا لا يوجد في عشر ذي الحجة ولا في غيرها من الأزمان، فتحري الناس العمل في العشر الأخيرة من شهر رمضان لهذا القصد هو الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بقوله وفعله، فكان إذا دخلت العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره، وفي بعض الروايات لا يذوق غمضاً، وفي أخرى يواصل صيامه إلى السحر، وكان يعتكف فيها فلا يخرج إلا بعدما يصلي العيد....
وعموماً فعلى المسلم أن يحرص على الأعمال الصالحة في كل الأوقات الفاضلة كلما أتيحت له الفرصة بإدراكها، فإنه لا يضمن إدراك الزمن الآخر وإذا أدركه فلا يدري أيوفق أم لا،
كما قالوا:
إذا هبت رياحك فاغتنمها * فإن لكل خافقة سكونُ
ولا تقعد عن الإحسان فيها * فلا تدري السكون متى يكون.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.