5 دقائق
علاجات «سوشيال ميديا»!
شعرت فتاة بارتفاع في درجة الحرارة، فقرّرت أن تطبب نفسها بنفسها. وضعت كمادات على وجهها لأربعة أيام دون فائدة. أخذت تبحث في «غوغل» ومواقع الـ«سوشيال ميديا» عن طريقة تقليدية لتخفيف الأعراض أو العلاج، وعندما طفح الكيل بزوجها جرها إلى المستشفى جراً وهناك أعطيت مخفض حرارة، وبعد التشخيص حقنت بمضاد حيوي.
هذه الفتاة لو استمرت في البحث عن علاج في «غوغل» لربما ماتت في 2020 بمرض كان يقتل الناس منذ 200 عام أي أيام نابليون بونابرت! ما الذي منع الفتاة من الذهاب إلى المستشفى؟ الإجابة ليست «كوفيد-19»، فالمستشفيات خالية منه الآن، ولله الحمد والمنة، ولكن الذي منعها هو «سوشيال ميديا».
رجل مصاب في ظهره منذ فترة طويلة وله قريبة درست الطب، وهي تنصحه بعدم الذهاب إلى المستشفى حتى لا يستغله الأطباء ويكتبوا له أدوية مصنوعة هناك في الغرب حيث «الشر المطلق وحياكة المؤامرات». صدقها المسكين وأخذ يقرأ القرآن على إصابته لعل الشفاء يأتيه من السماء، ولجأ كذلك إلى حسابات وهمية تنصحه بعلاجات شعبية كانت مستخدمة ربما منذ قرن، وإلى اليوم يخبرني صديقي أن الرجل لا يستطيع الخروج من المنزل.
الفتاة والرجل ممن غسلت أدمغتهم بالهراء المنتشر على حسابات تنشر أكاذيب ومعلومات خاطئة وأنصاف حقائق أو حقائق مخرجة من سياقها عن الشر المطلق المتمثل في مؤامرات كونية كلها أوهام. الفتاة قالت لزوجها إنها لا تريد شركات الأدوية أن تتربح من مرضها، وإن بيل غيتس هو صانع الأمراض وأدويتها!
كل الذي ذكرته الفتاة منتشر في حسابات التواصل، وليس له ذكر في الإعلام الرصين، لأنه ببساطة غير صحيح. لا أريد الخوض في حديث المؤامرة لأني سئمته وهي أي المؤامرة كالعقيدة (أيديولوجيا)، إن تربّى الشخص عليها فلن يتزحزح عنها قط، والعكس صحيح، فالذي عود نفسه على استقاء المعلومات من المصادر الصحيحة - وهو ذكاء نادر هذه الأيام - فلن ينطلي عليه الهراء.
لماذا لا نقرأ هراء «سوشيال ميديا» في الصحف المحلية والدولية؟ لو سألت هؤلاء الذين يستقون الهراء من تلك المنصات، سيقولون لا تصدقوا ما يذكر في الصحف فهي ليست كل الحقيقة! ما يثير دهشتي هو على أي أساس يجب اعتبار أن تلك الحسابات تعكس الحقيقة؟
تمتلك وسائل الإعلام الرصينة أدوات التحقق من المعلومة وعلى هذا الأساس بنت صدقيتها منذ القرن الـ19، بينما تعتمد حسابات «سوشيال ميديا» على فيديوهات مزيفة لكاذبين بأجندات خاصة يضعون الحقائق خارج سياقها، والدليل أن منصات التواصل نفسها قرّرت فرض رقابة على محتواها لإيقاف الشائعات والأكاذيب.
جماعات مناهضة التطعيم موجودة قبل «سوشيال ميديا» وازداد حضورها أكثر في هذه المنصات، وليست لديها أسباب علمية لرفض التطعيم، وبسببها عادت بعض الأمراض القديمة التي ظنت البشرية أنها تخلصت منها. لست طبيباً ولا أدعي الخبرة لكن العلم أثبت أن التطعيم كان سبباً رئيساً في القضاء على أمراض وأوبئة وأنقذ حياة الملايين.
بالعربي: لو مات شخص بسبب ارتفاع درجة حرارته، وتبين أن علاجه بسيط، أو أصيب شخص بإعاقة دائمة بسبب رفضه علاجاً متوافراً، فمن يتحمل مسؤولية تشويه الحقائق ونشر الخرافات؟ ناشروها أم مصدقوهم؟
Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .