لحظات البيانات
طريق البيانات
بين الماضي والحاضر نقاط تلاقٍ عدة، وهو ما جعل الإنسان يستعير مسميات لأحداث ومشروعات شكّلت علامة فارقة في تاريخ البشر، ويكررها في العصر الحاضر ليعكس دلالاتها، ومنها مثال استعارة، مسمى «طريق الحرير الرقمي» الذي سيربط العالم رقمياً، تيمناً بطريق الحرير التجاري الذي كان يربط تجارة طرفي العالم.
لكنني في «لحظات البيانات» هذه، لن أتحدّث هنا عن تاريخ التجارة أو تاريخ التحوّل الرقمي، بل عن طريق بديل هو برأيي يعد بين الأكثر فاعلية والأسرع، للوصول إلى أهداف حقيقية خلال وقت قياسي، خصوصاً في عالم الطبيعة الجديد الذي ولّدته جائحة فيروس كورونا المستجد، وبينما لاتزال أكثر دول العالم تبحث عن طريق للتعافي وعودة الحياة إلى طبيعتها، ولا يستطيع أحد حتى الآن أن يقول إنه يمتلك المعادلة، أرى أمامنا طريقاً جديداً أريد تسميته «طريق البيانات».
تولّد لدي هذا المسمى، وأنا أفكّر بعمق في التحدّيات التي تواجه البشرية اليوم، وكيف أن المدن والدول التي كانت لديها تجربة رقمية أكثر نُضجاً، وبياناتها الاستراتيجية متاحة رقمياً، وخدماتها متوافرة عبر تطبيقات ومنصات، كانت هي الأقدر على إعادة تشغيل نسخة رقمية من مجريات الحياة، لكن العالم والحياة بشكلها الجديد، لن يكفيهما ذلك، بل نحتاج إلى تكوين فهم جديد يُشبه التحدّيات والواقع الجديد الذي أوجده «كوفيد-19».
بالنسبة لي، فإن النقطة الأقصر بين التعافي من أي تحدٍّ يواجهه أي قطاع في العالم اليوم، وبين مستقبل تحقيق الأهداف التي تُريد أي مؤسسة أو حكومة تحقيقها، هو عن طريق الفهم العميق، والوفرة في بيانات ذلك القطاع، بتنظيمها، وتصنيفها، وتحليلها، وفق أفضل المعايير والضوابط، وهو ما حققنا في دبي خطوات عملية واثقة فيه. وكان ذلك بتحديد الأدوار بين مختلف الشركاء، بأن نعمل لتأسيس قيمة مُضافة من بيانات المدينة، تنعكس على تجاربها، وتُلهم الناس والمؤسسات واقعاً مُتجدداً.
طريق البيانات مليء بالفرص، وهذه الفرص على وجه التحديد انطلاقاً مما توصلنا إليه تشمل: إنه من يملك البيانات يملك المستقبل، وإن البيانات مفتاح الكفاءة والفاعلية، وإنها أساس تمكين صناعة القرار الذكي، وترتقي بقدرة التنبؤ بالمستقبل، وفي قيمتها الاقتصادية، ومن يمتلك القدرة على توظيف البيانات يمتلك وقود المستقبل.
ولجني ثمار هذه الفرص، وضعنا في دبي دعائم استراتيجية شملت: حوكمة البيانات بما تتضمنه من سياسات بيانات دبي، وأخلاقيات للذكاء الاصطناعي، وبناء منصة «دبي بالس»، ووضع مخطط المدينة وبنيتها التحتية، ومشروع لا مركزية البيانات، وإيجاد بيئة عمل ممكنة لبيانات المدينة، التي تؤسس القيمة من البيانات، بتحديد حالات الاستخدام الأكثر أولوية، ودعم القرار الذكي.
لا أقول إن طريق البيانات خالٍ وسهل، بل هو على العكس مزدحم، لكنه ازدحام من نوع خاص، فهو وفرة في الفرص والتحديات.
ولتقريب الصورة، تتوقّع دراسات أن يبلغ حجم البيانات في اليوم الواحد بحلول عام 2025 نحو 463 إكسابايت، أي ما يعادل 35 ألف مليار صورة، و10 آلاف مليار ساعة فيديو، وهي بيانات ستتولّد من كل جزئية في حياة المؤسسات والأفراد بصور متعددة، ولأن قيادتنا في الإمارات عودتنا أن في كلّ تحدٍّ فرصة، فطريق البيانات مُعبّد بالفرص.
- مساعد المدير العام لـ«دبي الذكية» المدير التنفيذي لمؤسسة بيانات دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .