اللهم أنت السلام ومنك السلام
ما أجملَ استهلال سمو الشيخ عبدالله بن زايد - حفظه الله وأعانه ووفقه - كلمته في حفل توقيع معاهدة السلام بقوله: «إننا نقول في ديننا الإسلامي اللهم أنت السلام ومنك السلام»! ليعلم الجميع أن دينَنا دينُ سلام ووِئام، مفعمٌ بثقافة السلام والمسالمة بين الأنام، قد جعل السلام شعاره بين بني الإنسان، في كل حال وكل مقال، فصلاتُنا التي نناجي فيها ربنا كِفاحا بتلاوة كتابه، وخضوعاً بين يديه ركوعاً وسجوداً، وجُثواً بين يديه؛ قد شرع لنا ربُّنا فيها أن نحيي نبيه الذي علمنا السلام بمخاطبته بالسلام: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، وكأنه حاضر أمامنا، ونسلم على أنفسنا وعلى إخواننا المؤمنين فنقول: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين»، وأن نختم مناجاتنا له سبحانه بالتسليم على إخواننا عن أيماننا وشمائلنا، وما أن نفرغ من صلاتنا حتى نذكر الله تعالى باسمه السلام؛ لأنه دعانا إلى السلام، فنقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام»، فعلمنا أن نعيش مع الله ومع عباده بسلام.
وحتى يكون السلام شعاراً بين المؤمنين وعباد الله أجمعين؛ جعل السلام تحية أهل الإسلام لمن نعرف ومن لا نعرف عند كل لقاء وفراق، وأن نسلم على أهلنا وعند دخولنا منازلنا، ولو لم يكن فيها أحد فنسلم على أنفسنا، كل ذلك ليأمننا كل من في الكون، وحتى نشعر أنفسنا وغيرنا أننا أمة سلام.
هذا هو منهج الإسلام الذي يجب أن يعيشه المسلم مع أخيه الإنسان، كل ذلك ليَشْعر الجميع أن السلام هو منهج الإسلام، وأننا أمة سلام، وأن السلام يقتضي من الآخر أن يقبل السلام، كما قال سموه: «إننا نمد يد السلام ونستقبل يد السلام»، فالسلام مشترك بين الجميع؛ لأن البشرية مكلفة أن تعيش بسلام مع نفسها ومع غيرها، وكما قال سموه: «إن البحث عن السلم مبدأ أصيل، ولكن المبادئ تتحقق فعلاً عندما تتحول إلى أفعال»، وها هو يحقق منهج الإسلام بأفعال لتنتقل شعوب المنطقة إلى طمأنينة وازدهار واستقرار، تحقق فيه متطلبات الحياة في عصر التكنولوجيا والفضاء والابتكارات المتنوعة، فكل ذلك لا يتحقق إلا بسلام يصنعه شجعان المنطقة الذين عليهم مسؤولية شعوبهم في الحاضر والمستقبل، وكما قال سموه حفظه الله: «إننا نشهد اليوم فكراً جديداً سيخلق مساراً أفضل لمنطقة الشرق الأوسط، فالجميع يتطلع إلى خلق مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً وأمناً، لأن عدم التقدم في هذا المسار يعني دماراً وفقراً ومعاناة إنسانية» كما قال سموه، وهذا ما لا يريده عاقل ولا يخدم قضية، لاسيما وقد جربت الشعوب مرارة الحروب وبؤسها فلم تحقق شيئاً يذكر من مرادها، بينما تجربة السلام التي تمت في المعاهدات السابقة أعادت بعض الحقوق للشعب الفلسطيني والمصري والأردني ما كان ليتحققَ في ظل الحرب.
وما أعظم اهتمام دولة الإمارات بقضية الشعب الفلسطيني وقدسها الشريف حينما جعلت معاهدة السلام مع إسرائيل خدمة لقضيتها أولاً كما قال سموه في خطابه العظيم هذا: «هذه المعاهدة ستمكننا أكثر من الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وتحقيق آماله في دولة مستقلة ضمن منطقة مزدهرة»، ذلك أن التقارب يولد فرص نجاح المفاوضات، وإفهام كل طرف ما يريده من الآخر بما يحقق الإنصاف والعدالة والحقوق المشتركة، فماذا يريد الشعب الفلسطيني غير الاستقرار في أرضه وقيام دولة مستقلة له، بعيداً عن الاحتلال والانقسام الداخلي الذي زاده بؤساً، ومكن عدوه من النيل منه أكثر فأكثر؟!
إن السلام هو الذي يحقق الآمال والازدهار للشعوب والبلدان، ودولة الإمارات أخذت على عاتقها أن تنشر السلام في ربوع الأرض بكل ما تستطيع، فهو نهج المؤسس الشيخ زايد رحمه الله تعالى الذي كان يحب السلام للجميع كما يحبه لنفسه وشعبه وأمته، وقد سار أبناؤه البررة على نهجه، فترسموا خطاه لإدراكهم عمق هذا المنهج العظيم، كما قال سمو الشيخ عبدالله: «لقد أتينا اليوم لنقول للعالم: إن هذا نهجُنا.. والسلام مبدؤنا.. ومن كانت بداياته صحيحة ستكون إنجازاته مشرقة».
نعم إنجازاتكم ستكون مشرقة بعون الله وفضله، وعند الصباح يحمد القوم السُّرى، فسيروا في درب السلام، والسلام عليك يوم أن وقعت معاهدة السلام، ويوم أن تجني شعوب المنطقة ثمار السلام.
«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .