إعادة فهم بياناتنا
من أبرز التحديات عالمياً في تحقيق القيمة القصوى من البيانات، تلك المتعلقة بتوظيفها بصناعة القرار الذكي، وهو تحدٍّ متعدد المستويات والأوجه. ولذلك في «لحظات البيانات» هذه، أردت أن أناقش علاقة المؤسسات على مرّ الزمن ببياناتها من نواحٍ عدة، هي عملية حفظها، ومعالجتها، وأخيراً فرص توظيفها في قرار ذكي.
وأما إن استذكرنا عملية الحفظ: فقد جرت العادة أن يكون حفظ البيانات للتوثيق في المقام الأوّل والرجوع إليها عند اللزوم، أو حفظ البيانات بشكل تراكمي ليس لهدف، لكن لأننا سنحتاجها في يوم ما قد يأتي أو لا يأتي، وغالباً كانت طريقة الحفظ تقليدية لا تتيح أدنى فرص الوصول السهل لبيانات محددة، وهذا الأسلوب لا يتيح لصانع القرار توظيف البيانات في أي قرار عاجل مبني على بيانات حيّة لحظية.
وبالنسبة لمعالجة هذا الكم الهائل من البيانات المؤسسية المخزونة على مدار سنوات فعلاقة المؤسسات بتحليلها والاستفادة منها موسمية، وهنا أقصد أنه جرت العادة انتظار تقارير شهرية أو ربع سنوية أو سنوية لتقييم الوضع القائم في مجالات عمل المؤسسات واستنتاج فرص التطوير والارتقاء بالأداء.
لكن عصر ما بعد «كوفيد-19» الذي نعيشه اليوم لم يعد يحتمل الانتظار فلو انتظرت المؤسسات شهراً أو أكثر لتلقي نظرة على بياناتها سيكون القرار غالباً وإن كان صحيحاً ليس الأفضل، لأن المعطيات المحيطة باتخاذ القرار على الأرض ستكون تغيّرت ولو جزئياً.
ومثلما نقول في المثل الإماراتي ستكون «طارت الطيور بأرزاقها» لو انتظرنا فترة من الزمن مهما كانت لتحضير بيانات معيّنة لبناء قرار عليها، وهو ما يجعل لوحات البيانات الذكية اللحظية الذراع اليمنى لصانع القرار في عصر التحوّل الرقمي.
دور البيانات في دول أخرى قد لا يكون واضح المعالم بعد، لكن في الإمارات نحن محظوظون بأن رؤية القيادة كانت ولاتزال واضحة الوجهة والأهداف حتى تلك المستقبلية وطويلة المدى، وذلك حتى قبل أن ينضج مفهوم البيانات في العالم والمنطقة ويصبح له هذا الدور والأهمية الاستراتيجية وترتبط به الكثير من الآمال. فالإمارات تتربع ضمن نادي صدارة الدول في كثير من المجالات، وهو ما عكسه الإنجاز الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن حصول الدولة على المرتبة الأولى عالمياً في 121 مؤشراً من بين أهم تقارير التنافسية العالمية.
لذلك مع الجهود المبذولة، على مدار العقود الماضية، في تحقيق كل هذه التنافسية تعتبر القيمة المضافة للبيانات هي في تمكيننا من الوصول اللحظي لقراءة الظروف المحيطة بأي قرار، ولتحقيق ذلك خلال وقت قياسي نحتاج إلى الانتقال من أسلوب الاعتماد على التقارير الدورية الشهرية أو الربع سنوية وغيرها، إلى أسلوب الاعتماد على البيانات الحيّة وربطها بلوحات ذكية تدعم القرار الذكي، وتسمح لصنّاع القرار بالاطلاع أولاً بأوّل على الأداء في مؤسساتهم وقطاعاتهم. والفرق هو أن أي قرار قد نتخّذه بعد انتظار شهر أو أكثر سيكون بعيداً عن المعطيات الحقيقية على الأرض، فتقل فرص فاعلية القرار وأثره.
الفرق بين التخطيط بناءً على البيانات الحية والتخطيط بناءً على البيانات التراكمية المتباعدة زمنياً هو أن الحية تتيح عدداً لا متناهياً من الخيارات والسيناريوهات الأقرب لاحتياجنا في الواقع، وحتى في زيادة قدرة صانع القرار في المفاضلة بين قرار وآخر واختيار الأفضل، بينما القرارات والخطط المبنية على النوع الثاني، مهما كانت نتائج توظيفها مُرضية، تكون فترة صلاحيتها أقلّ. فما برأيك بفرصة أن تكون بياناتكم جزءاً من الملامح الاستراتيجية للمستقبل كما تريده قيادتنا؟
مساعد المدير العام لـ«دبي الذكية» المدير التنفيذي لمؤسسة بيانات دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
«القيمة المضافة للبيانات هي في تمكيننا من الوصول اللحظي لقراءة الظروف المحيطة بأي قرار».