سالم عبدالرحمن..البطل المنسي
بعد أن حرك الفيل إلى المربع f6 واستحوذ على الحصان، اكتشف والدهشة تعلو وجهه أنه أضاع فرصة تاريخية للتغلب على ماغنوس كارلسون المصنف الأول عالمياً في لعبة الشطرنج، فقد كانت تفصله حركة واحدة عن الفوز، حركة واحدة فقط! وهي نقل الوزير إلى المربع f2 بدلاً من الحركة التي قام بها. كانت تلك هي الخسارة الأكثر إيلاماً للأستاذ الدولي الكبير سالم عبدالرحمن، كما قال لي، في مقابلة شخصية أجريتها معه قبل عدة أيام.
قبل عدة أيام أيضاً نشرت تغريدة على منصة «تويتر» أعبر فيها عن ضرورة الاحتفاء ببطلنا الموهوب الذي مثل دولته بكل فخر لمدة 20 عاماً محققاً إنجازات محلية ودولية كثيرة، وقد تلقت التغريدة إقبالاً غير مسبوق، خصوصاً أنها جاءت مع فوز سالم في بطولة جربة للأساتذة الكبار للشطرنج وفوزه على غاتا كامسكي بطل أميركا وبطل العالم في 2007، وكذلك لتزامنها مع عرض مسلسل «ذا كوينز غامبيت» المعروض على «نتفلكس» والذي أحدث جلبة بين محبي لعبة الشطرنج وقصص النجاح بشكل عام.
«أحس كلهم أقدر أغلبهم»..جملة قالها وهو يهز كتفيه بهدوء، عندما سألته عن الخصم الذي يود منافسته ويسبب له ذعراً دائماً. بهذه الثقة والامتلاء بالهمة استطاع أن يصل إلى المرتبة 53 عالمياً. ولأقرب لكم صعوبة الأمر فإن موقع chess.com وحده يشترك فيه أكثر من 20 مليون شخص من بلدان الأرض قاطبة، وهذا يدلنا على أن الشطرنج لعبة تحمل ضراوة شديدة في التنافس. وعندما قال بطلنا إنه يستطيع التغلب على الجميع بلا استثناء فذلك لم يكن ضرباً من الجنون، فقد فعل ذلك مراراً، ولنستعرض أهم هذه الانتصارات:
تغلب سالم على فابيانو كاروانا المصنف الثاني عالمياً في مباراة، وتعادل معه في مباراة أخرى، وفاز أيضاً على ليرين دينغ المصنف الثالث عالمياً، وإيفات نيبومنياتشي الرابع عالمياً، وبيتر سفيدلر بطل روسيا والوحيد الذي حاز هذا اللقب ثماني مرات، وغيرهم الكثير. هذا على صعيد المباريات الفردية.
أما على صعيد البطولات الرسمية فإن إنجازه الأكبر هو فوزه ببطولة آسيا للشطرنج في عام 2015 كأول عربي في تاريخ البطولة يحرز هذا اللقب، عائداً بذهبيتين في الشطرنج الخاطف والكلاسيك. كما أن سالم يتصدر قائمة لاعبي الإمارات منذ 12 عاماً متتالية، ولذلك حق له أن قال ما قال: «أحس كلهم أقدر أغلبهم». غالباً ما نسمع عامة الناس والوسط الشطرنجي خاصة يعبرون عن استيائهم من التغطية الإعلامية المتواضعة التي يلقاها سالم عبدالرحمن، وهذه النقطة تمثل جانباً ضئيلاً من المعضلة في الحقيقة، فلقد حكى لي شخصياً أنه قلق على مستقبله المادي أكثر من أي شيء آخر، لأنه ضحى كثيراً في سبيل اللعبة وتخرج بشهادة البكالوريوس بعد مضي ثماني سنوات، وهي ضعف المدة التي يحتاجها أي طالب للتخرج بسبب مشاركته في البطولات الدولية لتطوير مستواه.
اليوم يخصص بطلنا المنسي ثلاث ساعات فقط من وقته للعبة الشطرنج بعد أن كانت تراوح سابقاً بين 8 و12 ساعة يومياً، والسبب أنه أصبح موظفاً يقضي نصف يومه في العمل، وهذا الأمر بذاته سيشكل ندبة في مسيرته على المدى البعيد، وسيعطى أفضلية كبرى لمنافسيه عليه، خصوصاً أنهم يتمتعون بحريتهم المالية ولا يشغل يومهم إلا لعب الشطرنج. عندما سئل إيلون ماسك المدير التنفيذي لشركتي سبيس اكس وتسلا عن عدد ساعات العمل التي يحتاجها الإنسان لكي يغير العالم، أجاب بأنها تراوح ما بين 80 و100 ساعة أسبوعياً. وبعملية حسابية رياضية بسيطة يتضح لنا أن سالم يلعب 21 ساعة أسبوعياً فقط، وهذا الرقم أقل مما هو مطلوب بأربعة أضعاف! بالإضافة إلى غياب حريته المالية. ما العمل إذن، أنشاهد أفول نجمه أم نزيده سطوعاً؟
أرى في سالم عبدالرحمن بطلاً عالمياً خلال السنوات المقبلة إذا تفرغ بشكل تام للشطرنج،
وإن كان مسلسل «ذا كوينز غامبيت» مبنياً على قصة غير حقيقية فسالم حقيقي، وهو «ذا كينغزغامبيت».
«أنا بس أبا ألعب وأركز في الشطرنج ما أبا أي شي ثاني».
قال لي.
• بطلنا الموهوب مثّل دولته بكل فخر لمدة 20 عاماً، محققاً إنجازات محلية ودولية كثيرة.
Ahmed_almadloum
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.